6 دقائق للقراءة 1192 كلمة
عوافي/عبدالملك الجرموزي
لم يكن الأربعيني محمد سعيد، مكترثاً لمخاطر فيروس كوفيد-19، معتبراً أن التحذيرات العالمية من هذا الوباء، مجرد “كذبة” كبيرة الهدف منها القضاء على أكبر عدد من البشر في مختلف البلدان داخل المستشفيات.
لم يمر شهر على الإعلان عن تسجيل أول إصابة في اليمن بكوفيد-19، (حيث سجل اليمن يوم الجمعة 10 أبريل/ نيسان 2020، أول إصابة بفيروس كورونا في محافظة حضرموت، جنوبي شرق، الخاضعة لحكومة عدن، بحسب ما أعلنته اللجنة الوطنية العليا لمواجهة كورونا)، حتى داهمته أعراض مرضية. قال سعيد لموقع “عدن الغد”: إنها كانت غريبة عليه، لكنه اعتقد أنها “ضربة برد” و”انفلونزا”.
اشتد مرض سعيد، وبدأ يشعر بمعاناة شديدة في التنفس مصحوبة بارتفاع في درجة حرارة جسمه، وفقدان لحاسة الشم، ومع تدهور صحته ازدادت حاجته للأوكسجين، فنقل إلى أحد المستشفيات القريبة من منزله، وشخَّصه الأطباء من فورهم كمصاب بفيروس كوفيد-19، وقرروا إرساله إلى مركز العزل الطبي بمستشفى الكويت الجامعي بصنعاء.
الثلاثة الأيام الأولى لسعيد داخل غرفة العناية المركزة بالمستشفى، كانت شديدة المرض والقلق، وسيطرت عليه فكرة أن موته بات وشيكاً، لكنه اكتشف بأنه كان سيلتحق بضحايا “إشاعة شريرة”، حد وصفه.
يقول سعيد:” لقد نجوت.. كنت طاير من الفرحة حين غادرت مركز العزل”، مستدركاً: “أنا الآن على قيد الحياة، بفضل الله، ثم الكادر الطبي والتمريضي الذي وصلت جهوده حد التضحية بأرواحهم من أجلي وآخرين غيري”.
إشاعة قاتلة
” لم يمت أحد من كوفيد، جميع القتلى كانوا أسرى في مستشفى وطًبِّق عليهم بروتوكول قاتل من منظمة الصحة العالمية”.
ما سبق، كان إشاعة سرت بين الناس في اليمن، بداية تفشي فيروس كوفيد-19، في شهر إبريل/ نيسان 2020م، ولاقت رواجاً غريباً.
ساهمت تلك الإشاعة بزعزعة ثقة الناس بالمؤسسات الصحية في البلد، علماً بأن الوفيات قد تكون ناتجه عن أمراض أخرى ليس لها علاقه بكوفيد_ 19، وشكلت خطراً على حياة الكثير من المصابين بالفيروس، ممن قرروا عدم الذهاب إلى المستشفيات لتلقي العلاج، لكنها لم تمنع الكادر الصحي من الوقوف في مقدمة خطوط المواجهة ضد الجائحة التي أدخلت العالم بأكمله في حالة استنفار غير مسبوقة.
قد يهمك..برامج التطعيم ستنقذ 75 ألف طفل يمني خلال الثلاث السنوات القادمة
وفي ظل تفشي الجائحة، مطلع مايو/ أيار 2020م، انتشرت أخبار في بعض المواقع الإلكترونية والاجتماعية عن “إبرة الموت” التي يتم حقنها للمصابين بكوفيد-19، في مستشفيات صنعاء لتصفيتهم داخل مراكز الحجر الصحي.
الأخبار لم تستند على حقائق وأدلة علمية، لكنها كانت وراء رفض مصابين بالفيروس الذهاب إلى المستشفيات، وقد نفت وزارة الصحة في صنعاء ذلك الخبر واعتبرته “تزويراً”.
ووفقاً لطبيب الطوارئ، في مستشفى الشرطة بصنعاء، أحمد الماخذي: “كان لحالة الهلع والخوف التي تسيطر على المرضى المصابين بكوفيد-19، أثر سيء على مناعتهم، وبالتالي استجابتهم للبروتوكول العلاجي الذي نقرره لهم.. كانوا يعتقدون بأنهم سيموتون”.
يبيِّن الماخذي في حديثه لـ”عدن الغد” أن الإشاعات التي تناقلها الناس عن موت المصابين بكوفيد-19، ممن يدخلون مراكز العزل في المستشفيات، أدت إلى تأخر كثير من الحالات في الذهاب إلى المستشفيات، وعندما وصلوا كان وضعهم الصحي بالغ السوء”.
يقول الماخذي الذي عمل في ثلاثة مراكز عزل أثناء الجائحة: “الذين لم يصدقوا الإشاعات دخلوا المستشفيات في وقت مبكر من إصابتهم بالعدوى، وقد كانت استجابتهم العلاجية جيدة وساعدتنا على إنقاذهم”.
وتابع: “تعاملنا مع حالة الفزع التي كانت تسيطر على المصابين بالاقتراب منهم أكثر، ودعمهم نفسياً ومعنوياً، مؤكدين لهم أنهم يستطيعون الانتصار على الفيروس إذا واجهوه بشجاعة ولم يستسلموا له”، مضيفاً: “الدعم النفسي كان له أثر كبير، ورغم أن المهمة كانت شاقة، تحديداً في أول شهرين من تفشي الوباء وتزايد أعداد الحالات المصابة، إلا أنه حقق المرجو منه مع كثيرين من المرضى الذين أصبح عدد منهم أصدقاء شخصيين لنا”.
عبء إضافي ثقيل
شكلت جائحة كوفيد-19 عبئاً إضافياً ثقيلاً على اليمن الذي يواجه أوبئة عديدة مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والجدري، في ظل إمكانيات شحيحة، بالإضافة إلى توقف ما يقارب 50% من المؤسسات الصحية عن تقديم الخدمات بسبب الصراع.
ومع اشتداد تفشي فيروس كوفيد-19 في اليمن، في إبريل/ نيسان 2020م، أعلنت وزارة الصحة في صنعاء عن تحديد مستشفى الكويت الجامعي وسط العاصمة ليكون مركزاً للعلاج والعزل الطبي للمصابين بالفيروس والحالات المشتبه بإصابتها.
وأصدرت إدارة المستشفى حينها بياناً صحفياً، أكدت فيه أنها قامت بإفراغ المستشفى من الحالات المرضية الموجودة، ووضع خطة استراتيجية لاستقبال الحالات الطارئة، والبدء بإعداد تأهيل المستشفى ليصبح مركزاً ملائماً طبياً وصحياً لاستقبال الحالات المشتبه بإصابتها بوباء كوفيد-19.
بالتزامن مع إعادة تأهيل مستشفى الكويت تم تحديد مركز خاص باستقبال المتطوعين للعمل في مواجهة الجائحة، وقد وصل عددهم إلى 800 متطوع في مختلف الحالات الطبية والفنية والتمريضية والخدمية.
نتج عن تلك الإجراءات أن أصبح المستشفى جاهزاً لاستقبال حالات الإصابة والاشتباه بفيروس كوفيد-19 بطاقة استيعابية مكونة من 300 سرير و20 غرفة عناية مركزة، و21 جهاز تنفس صناعي، بحسب بيان المستشفى.
مراكز العزل في صنعاء لم تقتصر على مستشفى الكويت، فقد تم تخصيص مستشفى فلسطين، ومستشفى زائد أيضاً لاستقبال الحالات المصابة بالعدوى، وثلاثة مراكز في ضواحي المدينة.
كما تم افتتاح 27 مركز عزل صحي في 9 محافظات (المهرة، حضرموت، مارب شرقي البلاد، وأبين، لحج، تعز، الضالع، عدن، شبوة، جنوب وجنوبي شرق البلاد)، بحسب ما نقلته وكالة سبأ في عدن، عن المتحدث باسم اللجنة العليا للطوارئ، الدكتور علي الوليدي، منتصف أبريل/ نيسان 2020م.
مراكز العزل التي توزعت على كل المحافظات اليمنية تم تجهيزها بدعم من منظمات دولية كـ”الصحة العالمية” و”أطباء بلا حدود”.
اقرأ أيضاً..عقولٌ لم تُلقّح… ففسد تفكيرها!
نسبة تعافٍ جيدة
بلغ إجمالي حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19 في اليمن (11945)، منها (2,159) وفاة و(9124)، بحسب آخر إحصائية نشرتها لجنة الطوارئ العليا لمواجهة كوفيد-19 التابعة لوزارة الصحة في عدن، يوم السادس من نوفمبر 2022م.
تظهر الإحصائية نسبة تعافٍ جيدة، قياساً على الوضع الصحي المتأزم في اليمن وإمكانياته الشحيحة، وذلك يؤكد مقدار الجهد الذي بذلته الكوادر الطبية في البلد الغارق في الأزمات والحرب لمواجهة الجائحة التي أدخلت العالم بأكمله في حالة استنفار غير مسبوقة.
لقد حصد وباء كوفيد-19 أرواح 153 من كوادر اليمن الطبية والتمريضية، وفق بيان لرابطة “أطباء اليمن في المهجر” أصدرته نهاية إبريل/ نيسان 2021م.
أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن و نشرت بالتتابع مع موقع “عدن الغد”