20.7 C
اليمن
Home Featured الاضطرابات النفسية.. نتائج حرب يتجرعها ملايين اليمنيين

الاضطرابات النفسية.. نتائج حرب يتجرعها ملايين اليمنيين

0
الاضطرابات النفسية.. نتائج حرب يتجرعها ملايين اليمنيين
‏  9 دقائق للقراءة        1622    كلمة

عوافي: نجيب علي العصار

اتهم الثلاثيني جلال ردفان -اسم مستعار- زوجته بالخيانة بعد عشر سنوات على زواجهما وإنجاب أربعة أطفال، لم يحدث خلالها أن خطر على باله طيف الشك بإخلاص زوجته.

تشير التقارير الطبية إلى أن ردفان تعرض لصدمات وضغوط نفسية متتالية نتج عنها إصابته بمرض الهوس الاكتئابي وتفاقمت حالته حتى أصبح يشك في كل من حوله بمن فيهم زوجته وأقاربه.

تفاقمت حالة ردفان مع عدم حصوله على الرعاية والتدخل الطبي المناسب ليبدأ بالاعتداء على زوجته وأطفاله، وفقا لزوجته فاتن محمد (26 عاما) التي تحدثت لمنصة “عوافي” عن بدء تدهور الوضع النفسي لزوجها منذ أن فقد راتبه قبل خمس سنوات تقريبا.

ومؤخرا، لم يعد ردفان يستطيع النوم في الليل بشكل طبيعي، إذ سرعان ما يبدأ بالصراخ ويستيقظ مفزوعا، تقول زوجته إنها حاولت إقناعه باستشارة طبيب نفسي لكنه كان دائما يتهرب ويختلق الأعذار، ما دفعها للاستعانة بأخيه، وتم اصطحابه إلى مستشفى الأمل للأمراض النفسية.

حصل ردفان على بعض الأدوية والاستشارات وبدأت حياته تستقر تدريجيا، رغم أن أسباب الإصابة بالاضطرابات النفسية ما تزال قائمة، إذ يقول الإخصائي النفسي في مستشفى الأمل للأمراض النفسية بصنعاء، الدكتور عبد الله الأمير بأن الحرب وما خلفته من أوضاع اقتصادية وأمنية تسببت بشكل كبير في انتشار الاضطرابات النفسية في المجتمع.

ويستقبل المستشفى يوميا ما بين الـ 30 إلى 50 مريضا معظمهم يعانون من اضطرابات لها علاقة بالوضع العام في البلد، وفقا للأمير الذي أفاد بأن من أبرز الأعراض النفسية التي لحقت باليمنيين مؤخرا هما “كرب ما بعد الصدمة” و”الاكتئاب” الذي يتجسد في خليط من المشاعر الحزينة، وفقدان الأمل والمتعة في الحياة.

واضاف أن الصراع في اليمن وما تسبب من أزمات متلاحقة ضاعفت من عدد ضحايا الاكتئاب، واستمرار الوضع دون تحسن يساهم في تطور الحالات إلى اكتئاب حاد ، قد يدفع بالمريض الى الانتحار، حد قوله.

وفي سياق متصل أكد نائب المدير العام المساعد بمستشفى الأمل للأمراض النفسية الدكتور محمد إبراهيم القشار، ارتفاع عدد المرضى النفسيين في السنوات الاخيرة ،بشكل كبير، بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب، مشيرا إلى أن المستشفى استقبل 10.580حالة خلال عام 2021م، تنوعت ما بين الاكتئاب والاضطرابات النفسية والصدمات والإدمان.

و بحسب حديث القشار لمنصة “عوافي” أصبح معظم اليمنيين يعانون من مشاكل نفسية بدرجات مختلفة ابتداء من الاكتئاب البسيط إلى الصدمات العنيفة، نتيجة الصراع وما خلفه من آثار على مختلف جوانب الحياة، وقال “لا بد أن نعد العدة لمعالجة هذا الوضع ، حيث باتت المشاكل النفسية تشكل خطورة فعلية على المجتمع، بعد أن أصبح المواطن الذي يعول عليه بناء المستقبل محطماً من الداخل”.

حياة مثقلة بتفاصيل الوجع

خرج الثلاثيني محمد نور من تحت الأنقاض حاملا عددا من الجراح على جسده سرعان ما شفي منها، لكنه لم ينجح في التخلص من جراح أخرى مازالت تدمي روحه، فصور أشلاء عدد من زملائه قتلوا إثر الغارة التي استهدفت دار الرئاسة عام 2019 إذ تشير التقارير الطبية الصادرة من مستشفى الأمل إلى أن نور يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة.

بكلمات مبعثرة حاول  نور أن يعبر عن رحلة معاناته الطويلة مع المرض غير أن صور زملائه  بعد القصف تدق ذاكرته.

وأوضح نور -الذي ما يزال مقيما في المستشفى لمنصة “عوافي”- أن صور زملائه بعد القصف ما تزال عالقة في ذهنه ولم يستطع نسيانها، وأصبح المنظر حد قوله “كابوساً يتجول في مخيلته.

نور واحد ضمن ما يقارب ستة ملايين يمني يعانون من مشاكل نفسية وبحاجة للدعم النفسي، وفقا لتقديرات رئيس مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري الدكتورة بلقيس محمد جباري، التي أفادت بأن هذا الرقم نتيجة دراسة أجريت عام 2017، أي بعد عامين فقط من اندلاع الحرب التي تدخل عامها الثامن شهر مارس المقبل.

قد يهمك..الدكتور المقطري: لا بد من وضع ضوابط لمهنة الصيدلة وتجاوز عوامل الضعف

تزايد أعداد المرضى النفسيين يأتي في ظل غياب شبه تام للرعاية الصحة المطلوبة، حذرت جباري  -في اجتماع مناصرة بصنعاء عبر برنامج الـ(Zoom) أواخر نوفمبر الفائت- من تفاقم  إهمال الصحة النفسية، وضرورة جعلها أولوية وفي متناول الجميع وأنه لا توجد أسرة واحدة في اليمن لم تتعرض لآثار الحرب، فقد قُتل أحد أفراد الأسرة أو اعتقل أو مات من المرض أو الجوع أو فقد عقله، حد قولها.

وأشارت الدكتورة جباري إلى أن ما يقارب من 90% من النساء اللاتي يأتين إلى عيادات المؤسسة، هن من حالات العنف الأسري، بينما 20% حاولن الانتحار أكثر من مرة، وهذا في الغالب، نتيجة للأوضاع التي خلفتها الحرب كفقدان مصادر الدخل والتعرض للصدمات النفسية.

وقالت إن الاحتياجات تتسع في بلد لا تتوفر فيه خدمات الصحة النفسية الأساسية إلا في خمس محافظات من أصل 23 محافظة، مبينة أن المؤسسة تمكنت من تقديم خدمات الصحة النفسية لأكثر من 246 ألفاً من اليمنيين الذين يحتاجون إليها بشدة.

الآثار النفسية على الأطفال

لم يقتصر تأثير الحرب على إصابات الكبار، بل نالت من الأطفال واليافعين، إذ خلصت دراسة نشرها مركز العربية السعيدة للدراسات في يونيو 2021، إلى أن معظم الأطفال في اليمن، من سن 10 – 19 عامًا يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، جراء تأثير الحرب وما رافقها من عنف في الواقع وعبر وسائل الإعلام.

ريتاج السبهاني -ذات التسعة أعوام- واحدة من الأطفال الذين نالت الحرب من سلامتهم إذ لم تتمكن من النوم بمفردها منذ تحطم نافذة غرفتها إثر غارة استهدفت الأكاديمية العسكرية المجاورة لمنزلهم في حي الجراف شمال صنعاء عام 2019.

بعد هذه الحادثة لاحظت والدة ريتاج بأن ابنتها تعاني من مرض التبول اللا إرادي وبحسب قول والدتها فإن ريتاج كانت طفلة طبيعية حتى ليلة الانفجار.

اشترك الآن في قناة عوافي على اليوتيوب 

وفي هذا السياق ترى الأخصائية النفسية بشرى مكرد العريقي أن الكثير من الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة أصوات الانفجارات وصراخ الأشخاص الكبار أثناء القصف، مشيرة إلى أن عدداً كبيراً من الأطفال يعانون من مشكلات سيكولوجية نتيجة تهجيرهم وفقدانهم ذويهم وأعزاء على قلوبهم.

ونبهت -في تصريح لمنصة “عوافي”- إلى المخاطر المستقبلية التي تهدد حياة الأطفال نتيجة الاضطرابات النفسية ، لافتة إلى أن آثارها قد تظهر في مراحل المراهقة كاضطرابات شديدة وحادة.

الوصمة المجتمعية وغياب الوعي

يتسبب تدني الوعي والخوف من الوصمة المجتمعة في تفاقم حالة المريض النفسي حتى يصل إلى مراحل متأخرة من المرض، تقول الأخصائية النفسية بشرى العريقي، قد تبدأ أعراض المرض بالعزلة  نتيجة الإهمال .. يستمر المريض في حالة العزلة لسنوات، دون أن يحصل على الرعاية نتيجة خشية الوصمة المجتمعية.

ووفقا للعريقي لا تلجأ الكثير من الأسر إلى الطبيب النفسي إلا عندما تتدهور صحة المريض ويبدأ التشرد في الشوارع، أو عندما يصل المريض أو المريضة إلى حالة حادة ويبدأ بممارسة العنف داخل المنزل، منبهة إلى أن هناك من يأتي بالمريض وقد وضع قيوداً حديدية على يده ، وهنا يصبح الطبيب أكثر صعوبة في رعاية هذا المريض، حد قولها.

عائلة يمنية في أحد المراكز الصحية

المستشفيات والمراكز غير كافية

يؤكد نائب مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي بوزارة الصحة، الدكتور محمد إبراهيم، أن عدد المستشفيات والمراكز الموجودة للعلاج النفسي والكادر الطبي المتخصص غير كافية لاستقبال المحتاجين لهذه الخدمات.

وبيّن -في تصريح لمنصة عوافي- بأن الدولة تمتلك قسما واحدا في مستشفى الثورة بصنعاء، وقسما مختلطا “حكومي وخاص” في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية فقط هو المستشفى الوحيد في اليمن، بالإضافة إلى 8 مراكز وعيادات نفسية في المحافظات يديرها القطاع الخاص.

وأشار إلى أن الوزارة بصدد العمل على إنشاء قاعدة بيانات واضحة للمساعدة في الحد من الانتشار الواسع للإصابة بالأمراض النفسية جراء الأزمات الراهنة سواء كانت متعلقة بالحرب أو بالجانب الصحي.

حقائق وأرقام صادمة عن الصحة النفسية

تزايد بشكل لافت خلال الحرب عدد الإصابات في أوساط اليمنيين بالأمراض النفسية المختلفة، إذ تشير دراسة لمؤسسة التنمية والإرشاد الأسري (منظمة غير حكومية) إلى إصابة ما يزيد عن خمسة ملايين ونصف مواطن باضطرابات نفسية متفاوتة.

وبينت الدراسة أن الفئة العمرية بين 16 سنة و30 سنة سجلت ارتفاعاً في عدد الحالات المبينة بلغت 80.5% من إجمالي الحالات، في الوقت الذي يعاني اليمن من نقص في الموارد والاحتياجات اللازمة لإتمام خدمات الصحة النفسية.

وبحسب الدراسة يوجد طبيب نفسي واحد لكل 600ألف شخص، بينما المنشآت التي تقدم خدمات الرعاية الصحية النفسية ليست سوى أقسام وعيادات في مستشفيات عامة وخاصة بلغ عددها 13 منشأة بالإضافة إلى 35 عيادة خاصة أغلبها في مدينة صنعاء.

وفي دراسة سابقة صادرة عن منظمة يمن لإغاثة الأطفال، ذكرت أن 58,2% من الأطفال في اليمن الذين شملتهم الدراسة، ينتابهم الخوف الشديد، فيما يعاني 37% من قلق دائم واضطراب نفسي.

بينما أفادت منظمة الصحة العالمية (WHO) -في بيان على موقعها عبر الإنترنت- بأن 8 ملايين شخص في اليمن يحتاجون إلى خدمات الصحة النفسية.

اخترنا لك..استعداد المستشفيات لمتحور كورونا.. الصورة غير مطمئنة