20.7 C
اليمن
Home Featured سحرة ومشعوذون يسرقون صحة المرضى في اليمن

سحرة ومشعوذون يسرقون صحة المرضى في اليمن

0
سحرة ومشعوذون يسرقون صحة المرضى في اليمن
‏  13 دقائق للقراءة        2523    كلمة

عوافي/ تحقيق: محمد عمر ألفت كمال

تعرضت آية محمد -19 عاما للصفع والخنق والضرب بالعصا الكهربائية خلال خضوعها لجلسات العلاج في عدد من مراكز التداوي وأماكن المشعوذين ومدعي العلاج بالأعشاب على مدى أربع سنوات.

كانت آية التي تعيش في صنعاء قد تعرضت لحالة إغماء بعد عودتها من حمام البخار استمرت لأكثر من ساعة، اعتقدت عائلتها بأن ما يسمى بالعين معتقد متعارف عليه قد أصابت ابنتهم، عزز هذا الاعتقاد تأكيدات بعض الأقارب والجيران.

تقول آية لمعدي التحقيق لقد تم عرض حالتي على عدد من الشيوخ المعالجين وخضعت لجلسات كثيرة من هذا النوع ولم تشهد حالتي أي تحسن أحدهم في منطقة لؤلؤة ، 10 كم شرق صنعاء، كان الرجل يمسح على بطن المريضة بقطعة قطن ثم يضعها في الماء ويبدأ بإلقاء بعض التراتيل غير المفهومة، حد قولها، ليخرج بعد دقائق ورقة صغيرة من قطعة القطن مؤكدا أن الفتاة تعرضت لسحر.

لقد أخبرهم بأنه تمكن من إزالة السحر، لكن الأمر لم يفلح ولم تتحسن حالة المريضة، ليتم عرضها على معالج آخر يسكن في وادي ظهر، 14كم شمال غرب صنعاء، والذي أخبرهم بأن الفتاة تعاني من السحر والعين، وحدد لهم أوصاف المرأة التي وضعت السحر.

وبحسب حديث آية، قدم الشيخ المعالج وصفة طلب فيها جمع سبعة من الديوك يتم تمريرهم على جسد المريضة سبع مرات وبعد ذلك تذبح وتؤخذ النفس الزرقاء (كبد الديك) ثم يتم دهن جسدها بهذه القطعة لمدة سبعة أيام، بالإضافة إلى بعض الأعشاب التي يجب أن تتبخر بها، وبعد تنفيذ الوصفة لم تشهد حالتها أي نوع من التحسن.

في المرة الثالثة كانت المعالجة امرأة تحمل الجنسية الإثيوبية لا تستخدم القرآن لعلاج المرضى، بدأت المرأة بقراءة أشياء غير مفهومة وفي تلك اللحظة تعرضت الفتاة لحالة إغماء ومن ثم بدأت تتكلم بصوت مختلف.

قد يهمك .. مقاصف مدرسية في صنعاء تقدم وجبات غير صحّية للطلبة

أخبرتهم المعالجة التي تعيش العاصمة صنعاء بأن من يتحدث هو الجني الذي يسكن جسد الفتاة .. ألقت عليه بعض الأسئلة حول المرض فأخبرها بأن السحر مدفون في منزل العائلة، حصلت الفتاة بعد الجلسة على وصفة مكونة من الماء والعسل ومسك دهان.

و وفقا لـ آية استخدمت الوصفة ولم تشعر بأي تحسن ما اضطرها للعودة إلى المعالجة نفسها أكثر من مرة وفي كل مرة تحصل على وصفة مختلفة لكن النتيجة لم تتغير.

زارت آية بعد ذلك أكثر من معالج ومعالجة بالأعشاب و ممن يتسترون وراء القرآن بعضهم يسفه ويسخر من طريقة الآخر في العلاج هناك من منحها حرزاً تعويذات مكتوبة على ورق وآخرون أعشاباً ودهانات وجميعها لم تفلح.

بعد أربع سنوات من التنقل بين المعالجين المتلبسين تحت ستار الدين والأعشاب والمشعوذين كلفت عائلة الفتاة خمسة ملايين ريال، بما يعادل 8800 دولار، دون أدنى فائدة أو تحسن إذ كانت بعض جلسات العلاج تكلف أربعين ألف ريال؛ قرر والد آية السفر بها إلى مصر لعرضها على الأطباء، وهناك أثبتت الفحوصات والأشعة إصابتها بالتهاب في أعصاب الدماغ وهو المسؤول عن حالات الإغماء التي كانت تصيب الفتاة.

وتشهد مراكز العلاج والمشعوذين رواجا كبيرا في اليمن خلال السنوات الأخيرة في ظل عدم وجود قانون يجرم هذه الأنشطة التي تمارس دون الحصول على تراخيص من أي جهة رسمية، رغم تعرض الكثير من المرضى لمضاعفات صحية بلغت حد الوفاة.

   

ضعف الوعي وندرة الخدمات

تعرض المصور  في قناة سبأ محمد حميد -29 عاما لحالة إغماء أثناء عمله  في قرية الحمراء بمديرية همدان غرب صنعاء مطلع 2021، وبعد أن خضع لبعض الفحوصات أخبره الأطباء بأنه تعرض لتجمع دموي في الدماغ ، ليحصل على الأدوية اللازمة.

طلب الشيخ المعالج من المريضة جمع سبعة من الديوك ليتم تمريرهم على جسدها سبع مرات ثم تذبح ويدهن جسم المريضة بالنفس الزرقاء (كبد الديك) سبعة أيام متتالية.

ورغم تحسن حالته الصحية إلا أنه فقد القدرة على تحريك يده ورجله اليسرى، وبحسب حميد، خضع للتمارين في مركز الأطراف وتحسنت حالته الصحية بشكل جيد سمحت له بالعودة لممارسة عمله، لكنه تعرض لنفس الحالة في نفس تاريخ تعرضه للمرض لأول مرة.

هذه المرة أجبرته عائلته على زيارة عدد من المعالجين والمشعوذين ومعالجين بالأعشاب، تعرض خلالها لظروف وطرق معالجة غير طبيعية.

يقول حميد لمعدي التحقيق حصلت على بعض الخلطات التي شعرت مع استخدامها بالغثيان وتفاقم المرض، كما تعرضت للخنق والصراخ في أذني من قبل بعض المعالجين بهدف إخراج الجني الذي يسكنني ، حد زعمهم.

تجاوز عدد المعالجين الذين زارهم سبعة من مختلف الأعمار، واضطر للسفر إلى أكثر من محافظة لمقابلتهم مثل: حجة، ذمار وعمران, وكان حديث كل واحد منهم يختلف عن الآخر، وفقا لـ حميد، فبينما يزعم أحدهم إصابة المريض بالسحر يؤكد الآخر تعرضه لـ عين بشكل متراكم، كلفته تلك الزيارات ما يقارب ثلاثة ملايين ريال، ما يعادل 5300 دولار.

وهناك على بعد ما يقارب 22 كم من منزل حميد، تبحث أم عبدالرزاق على سرير في مستشفى الأمراض النفسية في العاصمة صنعاء لابنها الأربعيني الذي يعاني من حالة نفسية شديدة.

وبحسب أم عبدالرزاق ، فقد اضطرت إلى نقل ابنها إلى المستشفى بعد أكثر من أربعة أعوام  من العلاج على أيدي عدد من المعالجين بستار الدين والأعشاب والمشعوذين دون أدنى فائدة أو أي تحسن.

تقول أم عبدالرزاق لمعدي التحقيق أنها قضت خمسة أيام في المعاملة من أجل إدخال ابنها قسم الرقود وما زالت بانتظار الحصول على سرير وذلك لازدحام قسم الرقود بالمرضى.

وأشارت دراسة لمركز الأبحاث والدراسات الاجتماعية اليمني أجريت عام 2014 إلى أن ما بين 250 ألفاً إلى 300 ألف مواطن ومواطنة في اليمن يلجأون إلى السحر والشعوذة وأن 70 % منهم من النساء.

 

جلسات الوهم تفاقم الحالات

تنعكس رحلة المرضى النفسانيين بين مراكز وغرف المشعوذين والمعالجين والأعشاب سلبا على حالاتهم المرضية نتيجة التأخر في الحصول على التدخل الطبي السليم، بالإضافة إلى ما يتعرض له المريض من ظروف واعتقادات تفاقم حالته.

تؤكد الأخصائية النفسية في مستشفى الرسالة للأمراض النفسية منيرة النمر أن الكثير من الحالات النفسية البسيطة تتحول إلى حالة مستعصية بعد أن يزور المريض عدداً من المشعوذين والمعالجين الذين يعملون على إقناعه بتعرضه للسحر والعين، موضحة أن المريض يقضي فترة طويلة في التنقل بين المشعوذين والمعالجين ما يفاقم حالته.

وتفيد النمر في تصريح لمنصة (عوافي)- بأن جميع الأمراض النفسية هي في الأساس ناتجة عن أمراض عضوية، وكلما حصل المريض على التدخل الطبي السليم بشكل مبكر كانت نسبة التعافي كبيرة جدا، بينما التأخر في الحصول على العلاج يصبح من الصعب تحقيق التحسن المطلوب.


8850 دولار تكلفت ما انفقته عائلة آية أثناء تنقلها بين المعالجين بالقرآن والأعشاب والمشعوذين.

وفي سياق متصل نفت النمر بأن يكون السحر سببا في إصابة أي شخص بحالة نفسية، موضحة أن المرض النفسي يأتي نتيجة عدة عوامل اجتماعية ووظيفية وبيئية، بالإضافة إلى ضغوط الحياة اليومية والتفكك الأسري والفقدان والتعرض لصدمات، وقد يكون السبب نتيجة عوامل وراثية.

وبحسب الأخصائية فإن ضعف الوعي وارتفاع أسعار الأدوية الخاصة بالأمراض النفسية قد تدفع المريض للتوقف عن استخدام الدواء بعد فترة من الاستخدام وتحسن الحالة ويذهب إلى العرافين والمشعوذين ومراكز التداوي بالأعشاب، وهناك يوهمونه بأفكار ومعتقدات غير صحيحة وبالتالي يتعرض لانتكاسة كبيرة يصعب علاجها، مبينه بأن استخدام الخلطات العجيبة التي يصرفها المشعوذون والسحرة تصيب المريض بأمراض عضوية جديدة ما يصعب إمكانية العلاج والتحسن.

 

تعويذات وخدع مكشوفة

يتستر بعض المشعوذين والعرافين بالرداء الديني لإقناع المرضى بقدراتهم على العلاج مستغلين تدين المجتمع واحترام رجل الدين، وفقا للأخصائية النفسية  في مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري بصنعاء نجلاء العفيف، التي أوضحت أن تدين المجتمع والمرضى يجعلهم أكثر اقتناعا ما يقدمه المعالج المشعوذون والعرافون عندما يقدمون أنفسهم كرجال دين شيوخ ويستخدمون القرآن وبعض الوصفات رغم أن بعضهم يبدأ جلسات العلاج بإلقاء التعويذات، واستخدام سلوكيات غير أخلاقية في أغلب الوقت، حد وصف الأخصائية.

ومن الانعكاسات السلبية لهذه الطرق في المعالجة فقدان الثقة بالأطباء والمجتمع المحيط بالمريض بالإضافة إلى زرع الفتنة في الأسرة والأقارب، بحسب الأخصائية العفيف ، موضحة أن المريض يصاب بالتوهم وأن هناك قوة تفوق قدرته مسيطرة عليه وبذلك تضعف عزيمته ويدخل في اضطرابات نفسية لا حصر لها، بالإضافة إلى ضعف قدراته.

كل مشعوذ يسفه ويسخر من طريقة المشعوذ السابق في علاج الحالة المرضية ويمارس طريقته التي لم تجدي نفعا مع المريضة.

وقالت العفيف في حديثها لمنصة (عوافي)-  من أعراض بعض الحالات تقمص المريض أكثر من شخصية ويسمي نفسه بأسماء الجن المعهودة ويبدأ بمحاولة تغير ملامحه أو لهجته، بالإضافة إلى أعراض تسمى هلاوس مرتبطة بالنظر والسمع حيث يعاني المريض من أصوات يسمعها أو يرد عليها أو ينعزل وينظر إلى سقف الغرفة ويتكلم معها وهنا يعتقد الأهل والأصحاب أنه يتكلم مع الجن لأنهم لا يرون أحدا ولا يسمعون أي شيء.

ووفقا لـ العفيف قد يتأثر المحيطون بالمريض بحالته، ويتوهمون سماع بعض الأصوات، مثلا، مفسرة هذه الحالة بقولها إن كان يوجد تحليل مناسب، فالإصابة  بمثل هذه الحالة النفسية تعود لعوامل وراثية تؤثر على جميع أفراد الأسرة بمستويات متباينة.

وقد يلعب بعض الأطباء النفسيين، أحيانا، دورا سلبيا من خلال تجاهل تزويد المريض وعائلته بالمعلومات التثقيفية حول المرض، بحسب العفيف، التي قالت المفترض أن يكون هناك ما يسمى بالمثقف النفسي ويكمن دوره بتوعية الناس بطبيعة المرض وبالذات في التجمعات الضعيفة والنازحين الذين يعدون الأكثر تضررا من ويلات الحرب والفقر والجوع والتهميش والعنف باعتبارها أحد أسباب ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض النفسية في اليمن.

 

غياب القانون وضعف الوازع الديني

لا يوجد نص قانوني صريح يجرّم الشعوذة والدجل في القانون اليمني، وهذا ما يجعل القاضي أثناء البحث في الجريمة اللجوء إلى أحكام الشريعة الإسلامية، والتي قد تصل إلى القتل في حال ثبت على المتهم ممارسة السحر.

وبهذا يكون القانون قد نظر إلى الركن المادي فقط لهذه الأفعال باعتبارها طرقاً احتيالية تدخل ضمن جريمة النصب التي نص عليها القانون، لكنه لم يحدد عقوبات معينة خاصة بأعمال الدجل والشعوذة الأخرى غير السحر.

وبحسب مدير الخدمات الطبية بوزارة الصحة الدكتور علي المفتي تعارض النيابة والجهات الرسمية القيام أي إجراء بحق ممتهني أعمال الدجل والشعوذة، وبيّن في تصريح لـ منصة عوافي بأن النيابة تستند في معارضتها اتخاذ أي إجراء إلى غياب القوانين تماما.

النيابة والجهات الرسمية تعارض القيام أي إجراء بحق ممتهني أعمال الدجل والشعوذة.

وفي ما يتعلق بموقف الدين ممن يمارس الشعوذة يشير مفتي اليمن العلامة شمس الدين شرف الدين في تصريح للمحررين  أنه لا يجوز إتيان السحرة والمشعوذين بقصد العلاج أو لأي قصد آخر. وأن الساحر في نظر الدين الإسلامي مفسد ويستتاب وإلا يقتل، هذا حكمه.

من جهته يؤكد الشيخ العلامة صالح علي الحرازي عضو علماء الحديدة أنه ورد في الحديث الشريف من أتى كاهنا وعرافا فصدقهم فقد كفر بما نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

 

مواجهة الخرافة بالوعي 

يؤكد أستاذ علم الاجتماع  في جامعة تعز وسط اليمن الدكتور حمود البكاري أن السحر والشعوذة ترسخ الخرافات والأوهام والأمراض النفسية في أوساط المجتمع واختلاق المشاكل بين الناس حيث يتم تبادل الاتهامات وتنشأ الشكوك وتزداد حدة المشاكل بناء على هذه الأوهام والخرافات.

وأفاد بأن السحر والشعوذة يساهم في تمزيق النسيج والتماسك الاجتماعي، كما يتسبب في تدمير الأسر والأفراد اجتماعيا ونفسيا ومن ثم يطول مختلف جوانب الحياة حيث تزداد الفرقة والتناحر التي يكون سببا فيها الساحر أو المشعوذ.

وعن سبب تنامي ظاهرة السحر والشعوذة في المجتمع يقول البكاري إن سبب تنامي هذه الظاهرة هو ضعف الوعي المجتمعي بالإضافة إلى انتشار الأمراض النفسية في أوساط المجتمع في ظل عجز الناس عن طلب الخدمة العلاجية الطبية الحديثة فيلجأ الناس إلى العرافين والمشعوذين لطلب العلاج نظرا لسهولته وقلة تكلفته المادية.
وفي الوقت الذي يشدد البكاري على ضرورة تفعيل الجانب الإرشادي للحد من اندفاع الناس نحو ما يصفها بـ الخرافات والأكاذيب التي تفسد الناس ولا تصلحهم يقول مدير إدارة التثقيف الصحي في وزارة الصحة بصنعاء سيف الشامي لمنصة عوافي لا توجد لدينا أي برامج أو أنشطة حول هذا الموضوع.

ورغم تزايد عدد المصابين بالأمراض النفسية في السنوات الأخيرة إذ تشير دراسة نفذتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري عام 2020 إلى أن 195 شخصا من كل ألف يمني يعانون من ضغوطات واضطرابات نفسية حادة، هناك ضعف كبير في عدد الأخصائيين النفسيين والمؤسسات التي تقدم خدمات الصحة النفسية في اليمن والتي لا تتجاوز 13 منشأة بالإضافة إلى 35 عيادة خاصة أغلبها في مدينة صنعاء، وفقا للدراسة ، يعمل فيها 50 أخصائيا نفسيا.

 يأتي ذلك بينما تقتصر خدمات التعليم العالي في مجال الطب النفسي على قسم علم النفس الاجتماعي التابع لكلية الآداب في جامعة صنعاء، بحسب جميل القطابري الذي يعمل مدير عام التخطيط والسياسات بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بالإضافة إلى مواد متطلبة تدرس كليات الطب والعلوم الصحية في بعض الجامعات تسمى الطب النفسي.

وقال في حديثه لمنصة عوافي استراتيجيتها للفترة 23-27 ، يتم إعدادها حاليا وسيتم رفع مقترح حول تخصص تدريس الطب النفسي لقيادة الوزارة لدراسة وإمكانية تنفيذه خلال الفترة القادمة مبدية تذمرها من تجاهل الجامعات الأهلية لهذا التخصص.

نشر التحقيق بالتزامن مع المجلة الطبية

اخترنا لك .. استشارية تحدد أسباب تعذر الولادة عند اليمنيات