25.2 C
اليمن
Home Featured صنعاء.. برك مائية راكدة تنشر الأمراض

صنعاء.. برك مائية راكدة تنشر الأمراض

0
صنعاء.. برك مائية راكدة تنشر الأمراض
‏  6 دقائق للقراءة        1090    كلمة

 عوافي:معين عبادي

يعرض الأربعيني عبدالقوي الروني منزله -في حي الحيارة شمال العاصمة صنعاء- للبيع بعد أن نقل مقر إقامة عائلته المكونة من زوجة وثلاثة أطفال إلى حي النهضة تجنبا للمخاطر الصحية الناتجة عن تجمع مياه الأمطار في شوارع الحي وبقائها لأيام لعدم وجود قنوات تصريف.

إنه خياره الأخير بعد خمس سنوات من الإقامة في هذا الحي لم تكن جيدة إطلاقاً بسبب تعرض أطفاله المستمر لعدد من الأمراض منها ” التهابات جلدية ومشاكل في الجهاز التنفسي” خلال موسم الأمطار، “خاصة في ظل تأكيدات الأطباء أن المياه الملوثة هي مصدر الإصابة.

يقول الروني -لـ منصة عوافي- “لقد كان كلام الأطباء صحيحاً والدليل عدم تعرض أطفالي لأي من تلك الأمراض منذ تغيير السكن قبل عامين”.

ويشكو الأهالي في معظم المدن اليمنية من تجمعات مياه الأمطار في الشوارع والأحياء مشكِّلة بركاً صغيرة ومتوسطة سرعان ما تصبح مرتعاً لتجمع الحشرات من نواقل الأمراض كالبعوض والذباب.

وفي هذا السياق يوضح الأخصائي الباطني الدكتور خالد عقلان أن بقاء مياه الأمطار راكدة في الشوارع لأيام يمثل خطراً على صحة الأهالي خاصة الأطفال ممن يتخذون الشوارع مكاناً للعب، مؤكدا -لـ عوافي- أن هذه البرك تصبح مصدراً للإصابة بأمراض بكتيرية وفيروسية وطفيلية، وسبباً لالتهابات الجلد وأمراض الأغشية المخاطية.

وقال الدكتور عقلان -يمتلك عيادة في حي السنينة غرب صنعاء- “ألاحظ ارتفاع نسبة المرضى في موسم الأمطار خاصة ممن يعانون من مشاكل صحية هضمية ومعوية  كالإسهال والأنيميا وغيرها ” والتي تأتي بسبب التعرض لمياه ملوثة، بالإضافة إلى أمراض معدية مثل الإصابة بفيروس الكبد “B” ,حد قوله.

ووفقا لعقلان فإنه كلما طالت مدة بقاء المياه في هذه البرك تضاعف خطرها نتيجة لزيادة نسبة تلوثها وفترة تعرض الأهالي لها، سواءً أثناء المرور في الشوارع أو اختلاطها بمياه الشرب، خاصة خزانات السبيل “خزانات يضعها فاعلو خير في بعض الأحياء وتتم تعبئتها دورياً عبر صهاريج محمولة على سيارات”.

وتعتبر النفايات المنزلية التي تلقى في الجزر الوسطية واحدة من أهم مصادر التلوث وبخاصة عندما تسحب الأمطار تلك النفايات وتركد في تلك البرك التي تتحول مع الوقت إلى بؤر للبكتريا والجراثيم والفطريات.

وقال “تصبح هذه البرك بؤرة لجذب البعوض والذباب والحشرات التي تنقل المرض عبر اللسع أو ملامسة الطعام” موضحاً أن الأمراض قد تنتقل إلى الإنسان عبر الملامسة المباشرة لهذه المياه عندما يضطر البعض للسير عبرها من أجل الوصول إلى منازلهم، وهذا ما حدث مع الطفلة خولة المعافا  ذات الـ 6 أعوام  .

كادت خولة أن تفقد قدمها اليمنى بعد تعرضها لجرح بسيط إثر احتكاكها بقطعة حديد من مخلفات بناء مستحدث، لكن سرعان ما تطور الأمر لتصبح المنطقة المحيطة بالجرح أكثر تورماً مع إفرازات ما يسمى “القيح” وتضاعف الالتهابات، ما اضطر والدها لعرضها على الطبيب.

قد تكون خولة واحداً ممن استخدم تلك الممرات، فبحسب ما نقلته والدتها فوزية المعافا عن الطبيب في مستشفى الصحاب “مستشفى أهلي جوار الحي” تعرض جرح الطفلة لتلوث بكتيري كبير كاد أن يتحول إلى غرغرينا رطبة ” نوع من الغرغرينا تؤدي إلى موت الأطراف” غير أن حصول الطفلة على الأدوية  والمجارحة والعناية المناسبة جنبها البتر.

هذه المرة لم يكن الخطر قادماً من برك مياه الأمطار الملوثة بالنفايات والعوادم، إذ تفيد الثلاثينية فوزية المعافا ،والدة  الطفلة خولة، أن طفلتها كباقي ساكني حي الحصبة في صنعاء المطل على سائلة سواد حنش يضطرون أحيانا إلى المرور من السائلة المليئة ببرك ناتجة عن مياه الصرف الصحي المخلوطة بمياه الأمطار.

وأشارت -في حديثها لـ عوافي- إلى أن هناك ممرات يابسة في السائلة يستخدمها الأهالي كطريق مختصرة للوصول إلى الجهة الأخرى، غير أن الأمطار تتسبب في غمر تلك الممرات ويضطر البعض ،خاصة الأطفال، العبور من خلالها.

لقد أصبحت الجروح ،مهما كانت بسيطة، هي أشد ما يفزع المعافا خوفاً على صحة أطفالها الثلاثة الذين لم تستطع منعهم من استخدام طريق السائلة، و رغم تحذيراتها المستمرة إلا أنها “تكتشف ذلك عندما يعودون ورائحة نتنة تنبعث من أقدامهم”.

وبحسب ملاحظات المعافا, يتعرض أهالي الحي لأمراض موسمية أخرى ” غالبا ما يصاب الأطفال بأمراض مثل الإسهالات والقيء والمغص المعوي” وهذا الأمر لا يتعلق بساكني هذا الحي فقط، إذ تتحدث أخصائية الأطفال الدكتورة منى سلام, عن تضاعف عدد إصابات الأطفال بالأمراض المعوية والجلدية خلال موسم الأمطار، مؤكدة أن المياه الملوثة الناتجة عن مياه الأمطار الراكدة في الشوارع والأحياء هي السبب.

الأمر لا يحتاج إلى دراسات علمية جديدة لمعرفة ماذا إذا كانت هذه المياه تمثل خطراً على صحة الناس “هذه الأمور من الأساسيات ويؤكدها التعامل اليومي مع المرضى ومؤشر الارتفاع والانخفاض لعددهم” وفقا لـ سلام.

وأشارت -في حديثها لـ منصة عوافي- إلى أن الأمر أكثر خطراً على صحة الأطفال والكبار في المناطق الحارة منه في صنعاء التي ترتفع 2300مترعن سطح البحر.

سلام, التي نقلت مقر مركزها الطبي قبل أربعة أعوام من مدينة الحديدة الساحلية -غرب اليمن- إلى صنعاء، لها تجارب عديدة مع الأوبئة التي تعد المياه الراكدة الناتجة عن الأمطار مصدراً أساسياً لانتشارها.

تقول ” إنها السبب الأول لانتشار الأوبئة، مثل حمى الضنك والملاريا والكوليرا وغيرها في منطقة تهامة” ،الشريط الساحلي غرب اليمن.

مخاطر تشكُّل برك المياه الراكدة لا تقتصر على الأضرار الصحية المباشرة على الإنسان، ثمة مخاطر أخرى أشار إليها مدير عام صحة البيئة في وزارة الصحة بصنعاء المهندس فيصل العشاري متعلقة بالبيئة، موضحاً -في تصريح لـ عوافي- أن هذه البرك تلحق أضراراً بالبيئة خاصة عندما تختلط ببعض المواد كالنفايات الصلبة.

وقال: بقاء المياه الملوثة راكدة لفترات طويلة قد يساهم في تسربها إلى المياه الجوفية ليصبح خطرها على البيئة و المواطنين أكثر اتساعاً من مجرد الملامسة المباشرة لها.

وبينما يستمر خطر برك المياه الراكدة يهدد صحة الأهالي خاصة في المدن ومنها صنعاء، يقول مسؤول في أمانة العاصمة -فضَّل عدم ذكر اسمه- إنهم يقومون سنوياً بردم الحفر المستحدثة الناتجة عن الأمطار والسيول والتي تتحول غالى برك راكدة.

وأستدرك -في حديثه لـ عوافي- “نعمل ذلك في الشوارع الرئيسية وبعض الشوارع الفرعية فقط” موضحاً أن تنفيذ مثل هذه الإصلاحات في جميع شوارع وأحياء العاصمة بحاجة إلى ميزانية كبيرة غير متاحة حاليا، حد قوله.

وبحسب المصدر لا يمكن تقدير الميزانية المطلوبة، لأن تحديدها يتطلب دراسة ومسحاً ميدانياً يشمل جميع الشوارع والأحياء .

وإلى حين تتمكن الدولة من توفير الميزانية المناسبة لردم برك مياه الأمطار وإصلاح شوارع العاصمة، ستستمر فوزية المعافا في تفقد رائحة  أقدام  أطفالها لتتأكد من أنهم لن يعودوا إلى المنزل عبر برك مياه سائلة سواد حنش المخلوطة بمياه الصرف الصحي.