18.2 C
اليمن
Home Featured مجددا.. الحصبة تخطف أرواح الأطفال

مجددا.. الحصبة تخطف أرواح الأطفال

0
مجددا.. الحصبة تخطف أرواح الأطفال
‏  10 دقائق للقراءة        1880    كلمة

دعاء المطري

يقف صالح، والد الطفل علي “ثلاث سنوات”، عاجزاً، يكسو الحزن عينيه لفقده طفله الأول بسبب تعرضه لأقوى مضاعفات الحصبة المتمثلة بالتهاب وتورُّم الدماغ الذي لم يستطع تحمله، ما أدى إلى وفاته.

لا شيء يتذكره صالح كسبب يجبره على عض أصابعه سوى أنه أهمل تلقيح طفله، تماشياً مع ثقافة بدأت تنتشر في خط مضاد ومناهض للقاحات.

يقول صالح وهو من أبناء محافظة أبين لـ”عوافي”: الكثير من الأسر تتجاهل اللقاحات وتقلِّل من فوائدها وأهميتها، لكن عودة هذه الأمراض التي يمكن علاجها كفيلة بأن تعيدهم إلى الصواب، فمن فقد واحداً من أبنائه بأحد هذه الأمراض سيلازمه الحزن والندم لبقية حياته.

في أكثر من محافظة يمنية عاودت الحصبة ظهورها، وقد توفي ثلاثة أطفال في محافظة أبين، جنوب اليمن، خلال شهر مايو الماضي، منهم طفل يبلغ من العمر عشر سنوات، بحسب إعلان مكتب الصحة في محافظة أبين، الذي أشار إلى أن فيروس الحصبة بات يهدد الأطفال في المحافظة بعد أن امتنعت بعض الأسر عن تطعيم أطفالها ضد الفيروس.

كما أكدت منظمة اليونيسف، منتصف ديسمبر الماضي، وفاة 15 طفلاً بمرض الحصبة في اليمن في 2022م، خلال رصدها لحالات الإصابة، ما بين يناير ويوليو 2022م، حيث وصلت الإصابة إلى ما يقارب 1400 طفل، توفي منهم 15 بسبب المرض في 7 محافظات، منها عدن.

أما عدد المصابين بالحصبة في اليمن خلال عام 2022م، فقد أعلنت وزارة الصحة التابعة لحكومة صنعاء، في ديسمبر الماضي، تسجيل 18 ألفاً و597 حالة، توفي منها 131 حالة. ودعت خلال مؤتمر صحفي المنظمات الدولية العاملة في اليمن إلى دعم النظام الصحي والتركيز على تعزيز التأهب للأوبئة كأولوية.

قد يهمك..شلل الأطفال في اليمن.. مخاطر العودة وأسباب الانتشار

ولأن الحصبة مرض يهدد حياة آلاف الأطفال، فقد تزامنت عودتها باهتمام مسؤول ولافت من قبل الأطباء، هذا الاهتمام جسَّدته دراسة بحثية عن “عودة الحصبة إلى اليمن” أجرتها الباحثة وأخصائية أمراض الحصبة، الدكتورة ريم الخاشب، ونشرت نتائجها في شهر مارس الماضي، وأكدت تسجيل 5 آلاف حالة إصابة وبائية بمرض الحصبة خلال العامين الماضيين.

وبيَّنت الدراسة أن عدد الوفيات بمرض الحصبة وصل خلال عام 2021م، إلى 53 حالة وفاة، وأن 79% من الوفيات كانت من الأطفال الذين أعمارهم أقل من خمس سنوات.

مجددا.. الحصبة تخطف أرواح الأطفال

إلى ذلك، يوضح مصدر مسؤول في وزارة الصحة التابعة لحكومة صنعاء “فضَّل عدم ذكر اسمه” أن فيروس الحصبة منتشر في أغلب المحافظات اليمنية، بشكل أكبر مما كان عليه في السنة الماضية 2021م، بالتزامن مع تراجع نسبة الوعي لدى السكان.

وأشار إلى أن المرض بدأ ينتشر في مديريات أمانة العاصمة بعد أن كان مقتصراً على أطراف العاصمة صنعاء، وكذلك في باقي محافظات الجمهورية.

ولفت إلى أهمية التوعية بالأمراض والأوبئة عبر وسائل الإعلام المختلفة، خاصة التي تصيب الأطفال، ودورها في نشر الوعي بين الناس، بما يحد من انتشارها وتفشيها في أوساط المجتمع اليمني.

وتأتي اليمن في المرتبة الثانية في الإحصائية التي ذكرتها اليونيسف، في شهر إبريل عام 2022م، والتي شملت أكثر من 5 بلدان تعاني من ارتفاع في حالات الإصابة بالحصبة، حيث وصلت حالات الحصبة المبلَّغ عنها في اليمن إلى 9,068 إصابة.

وفي حديث خاص لـ”عوافي” ذكرت استشارية طب الأطفال والمواليد، الدكتورة نورا نورالدين، واحداً من الأسباب الرئيسية لعزوف الأسر عن تطعيم أطفالها هو الشائعات التي تشمل اللقاحات في اليمن ومنها لقاحات الحصبة وفقاً للدكتورة نورالدين التي ابدت استغرابها مما وصفته بـ “حبكة اللقاحات”، فبعض الأهالي يرفضون اللقاح فقط لكونه منتج خارجي “غربي” مؤكدة أن هذا الاعتقاد غير كافي وغير صحيح لأن أغلب المنتجات اللي نبتاعها بشكل يومي هي من انتاج خارجي وخاصة الأدوية.

ومن أكثر الشائعات المنتشرة حول لقاح الحصبة في المجتمع اليمني هي أنه ” يؤدي إلى إصابة الأطفال بمرض آخر”، لكن المثبت علميا أن اللقاحات مأمونة وفاعلة بحسب منظمة اليونيسف المعنية بالأمومة والطفولة والتي تشير إلى أن ما يحدث من أعراض للقاحات ليست سوى أعراض مؤقتة، من قبيل الألم في مكان الحقن أو حدوث ارتفاع بسيط في درجة حرارة الجسم، وهي أعراض يمكن السيطرة عليها من خلال تناول الأدوية التي يصفها الطبيب، أو وضع قطعة قماش باردة على مكان الحقن. “.

شائعات تحرم الأطفال من اللقاح
كما تؤكد الطبيبة نورالدين بأن اللقاحات آمنة ولا تدخل البلاد إلا عبر الجهات والمؤسسات الرسمية المسؤولة عن صحة وسلامة المجتمع اليمني وأنها تخضع لاختبارات المراكز المتخصصة بالأدوية التابعة لوزارة الصحة.

لمياء أحمد، طفلة تبلغ من العمر سنتين، بدأت معاناتها عندما أصيبت بحمى شديدة تبعها سعال جاف، والتهاب في العينين، ثم انتهى بطفح جلدي في سائر جسمها، وهي أعراض رافقها هزالٌ شديد في الجسم.

استخدمت عائلة لمياء كافة العلاجات الشعبية، كمسح الجسم بماء الورد، ظناً منهم أنه حلٌّ للطفح الجلدي الذي يملأ جسمها، إلا أن حالتها زادت سوءاً، مما اضطرهم إلى إسعافها إلى أقرب عيادات التلقيح وتم إعطاؤها اللقاح مع جرعتين من مكمّلات فيتامين (أ).

وفي حديثها لـ”عوافي” استعرضت الدكتورة نورا نورالدين، قصة معاناة أحد الأطفال بعد سنوات من الحصبة، حيث عانى من تشنج متكرر (صَرَع)، و أعطاه استشاري عراقي كان يعمل في مستشفى الكويت دواء الصرع، لكنه لم يتحسن فضاعف له الجرعة، لكن التشنجات زادت حتى صارت متواصلة، فأصبح الطفل طريح الفراش مزوداً بالأدوية عبر الوريد، فاقداً قدرته على الرؤية والكلام والسمع والأكل، عاجزاً عن الذهاب إلى الحمام، واستمر على هذه الحال حتى فارق الحياة.

وقالت الدكتورة نورالدين، إن انتشار المرض مازال مستمراً بشكل قوي، والمستشفيات مليئة بالمرضى، مرجعة أسباب انتشاره إلى رفض تلقي اللقاحات، إضافة إلى سوء التغذية.

مضيفة: “فيروس الحصبة يصيب الأطفال من سن ستة أشهر وما فوق، وتترافق طردياً، أي كلما كبر الطفل كلما اكتسب مناعة”، وأبرز المناطق التي ينتشر فيها الفيروس هي “صعدة، الجوف، حجة، الحديدة، لحج، أبين”.

التوعية باللقاح
ونصحت الدكتورة الأسر بعدم الاستسلام لثقافة مقاومة اللقاحات، وعدم مقاطعتها، فالأدوية – بما فيها اللقاحات – تخضع لتجارب سريرية ومعايير دولية، وتشرف عليها منظمات عالمية ووزارات الصحة في كل البلدان، ولذلك فمن الخطأ الاعتقاد بأنها مؤامرة أو أنها غير مفيدة.

وعن اللقاحات والمواعيد الهامة التي يجب الالتزام بها، تؤكد الدكتورة نورالدين أن اللقاحات تبدأ عند الولادة بلقاح إبرة السل وقطر الشلل، و عند بلوغ الطفل شهرين من العمر يتلقى اللقاح الخماسي، بعدها لقاح الشلل والإسهال “قطر السحايا والرئة والكبد والخناق والكزاز والديكي”، ثم تتكرر الجرعة الشهر التالي والذي يليه، ثم عند سنة ونصف إلى أن يصل الطفل إلى الشهر التاسع، فيعطى إبرة الحصبة والنكاف، ثم تتكرر الجرعة عند سنة ونصف، والمفترض قبل دخول المدرسة عند ١٠ أو ١٢ سنة كل اللقاحات.

اقرأ أيضاً..حمى الضنك في تعز.. تفشٍ مخيف يواجهه نقص في الخدمات المطلوبة

بدوره أوضح استشاري طب الأطفال بالمستشفى الجمهوري بصنعاء، الدكتور محمد الصبري، أن الحصبة مرض خطير شديد العدوى، يرجع تاريخ ظهوره إلى 1980م، أي قبل انتشار التطعيم، وهذا في وقتها كان السبب في موت 2.6 مليون نسمة كل عام.

وتكون الحصبة معدية بنسبة 90%، في حال تواجد الأطفال غير المُطعَّمين بجانب مصاب واحد بالحصبة، وترجح فترة العدوى من 4 أيام قبل ظهور الطفح الجلدي وحتى 4 أيام بعد ظهوره، وتتراوح فترة الحضانة من 12-10 أيام.

أعراض العدوى
ولفت الدكتور الصبري إلى أن أهم أعراض الحصبة تتمثل بـحمى شديدة تبدأ في اليوم العاشر أو اليوم الثاني عشر بعد التعرّض للفيروس، وتدوم من 4 إلى 7 أيام، وقد تكون مصحوبة بزكام “سيلان الأنف” وسعال واحمرار في العينين، وكذلك بقع صغيرة بيضاء داخل الخدين، وبعد مرور عدة أيام يصاب المريض بطفح يظهر على وجهه وأعلى العنق، وبعدها بأيام قليلة ينتقل الطفح إلى باقي أجزاء الجسم.

ووفقاً للصبري تتفاقم حالات الإصابة لتؤدي نحو 10% من حالات الحصبة إلى الوفاة لدى بعض الفئات السكانية، بسبب ارتفاع معدلات سوء التغذية ونقص فرص الحصول على الرعاية الصحية، أما بالنسبة للنساء اللاتي يُصبن بفيروس الحصبة أثناء الحمل، فخطر الإصابة يكمن في تعرضهن للإجهاض أو الولادة المبكرة، إلى جانب احتمال تعرض الطفل لمتلازمة الحصبة الألمانية الخلقية، والتي تجعل الطفل يعاني من ضعف في السمع والبصر وعيوب في القلب وغيرها من حالات الإعاقة التي تلازمه طوال حياته، وداء السكري واعتلالات في الغدة الدرقية.

مجددا.. الحصبة تخطف أرواح الأطفال

والفرق بين الحصبة الألمانية والعادية هي أن الحصبة العادية معدية بشكل أكبر من الحصبة الألمانية، حيث تستمر أعراض الحصبة الألمانية خمسة أيام، أما أعراض العادية فتستمر عشرة أيام، كما أن الطفح الجلدي في الحصبة الألمانية يظهر على شكل نقاط حمراء تختفي بسرعة، أما طفح الحصبة العادية فيكون على شكل بقع ونقاط حمراء، بحسب الدكتور الصبري.

وإلى جانب التأثير المباشر الذي يتركه مرض الحصبة على الجسم، والذي قد يكون فتاكاً، يعمل فيروس الحصبة على إضعاف نظام المناعة ويجعل الطفل أكثر عرضة للإصابة بأمراض معدية أخرى، من قبيل الالتهاب الرئوي والإسهال، بما في ذلك خلال الأربعة الأشهر الأولى التي تلي التعافي من الحصبة، بحسب الدكتور الصبري الذي أضاف: “هناك أمراض ستة قاتلة للأطفال، خلال العام الأول هي الحصبة و السل الرئوي والدفتيريا والسعال الديكي والتهاب السحايا والتهاب الرئوي الحاد وشلل الأطفال”.

وتوصي الجهات الصحية الرسمية والمهنية بتناول جرعة واحدة من التطعيم ضد الحصبة من عمر ستة أشهر إلى 11 شهراً، لتقليل المضاعفات الوخيمة الناجمة عن الحصبة، إلى جانب الرعاية الداعمة التي تضمن التغذية الصحية والسليمة.

وحسب إحصائية نشرتها اليونيسف، في أول شهرين من عام 2022م، فإن ازدياد حالات الحصبة المبلَّغ عنها في العالم بنسبة 79% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021م.

حملات تحصين واسعة
في نهاية مايو 2021م، أطلقت وزارة الصحة بصنعاء حملة لتحصين الأطفال ضد الحصبة والحصبة الألمانية استهدفت أربعة ملايين طفل في 197 مديرية ضمن عشر محافظات، كما نفذت حملة تطعيم طارئة في العاصمة صنعاء، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، أواخر ديسمبر 2021م، بحسب وكالة “شينخوا” الصينية.

أما مكتب الصحة في عدن فقد نفذ حملة في نهاية مايو 2022م، لتحصين أكثر من مليون و355 ألف طفل “من عمر ستة أشهر إلى عشر سنوات” ضد مرض الحصبة في 74 مديرية ضمن 11 محافظة.

ويعتبر لقاح الحصبة، والحصبة الألمانية من اللقاحات الروتينية المتوفرة في المراكز الصحية في اليمن، وتعطى جرعتان من اللقاح، الجرعة الأولى في عمر 12 إلى 15 شهرًا، والجرعة الثانية في عمر أربعة إلى ستة أعوام، وبالتالي فإن مسئولية عدم حصول الأطفال على اللقاح تقع على عاتق الأسرة بالدرجة الأولى.

 

أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن و نشرت بالتتابع مع موقع “المشاهد”