20.3 C
اليمن
Home روشتة الموت الصامت في اليمن

الموت الصامت في اليمن

0
الموت الصامت في اليمن
‏  5 دقائق للقراءة        951    كلمة

د. عادل سالم

يتزايد الاهتمام العالمي بإنتاج المحاصيل الزراعية واستخدام المبيدات الزراعية لمكافحة الآفات المهددة لهذه المحاصيل، وتسعى برامج الأمم المتحدة الصحية والغذائية لتقليل استخدام المواد الكيميائية الى الحد الأدنى لضمان أكبر قدر من الأمان.

وقد تم تقسيم المبيدات عالميا إلى ثلاث فئات بحسب تأثيراتها ومخاطرها، فبينما يصرح للفئة الأولى ويسمح باستيرادها وتداولها، تعد الفئة الثانية مقيدة بشدة، إذ يسمح باستيراد البعض منها وبكميات محددة، وتستخدم في الحالات الطارئة وعند عدم توفر بدائل مناسبة وفعالة من المبيدات المسموح تداولها، ويشترط ان يتم استخدامها تحت الإشراف المباشر من قبل الجهات الحكومية
اما الفئة الثالثة فهي محظورة نظراً لسميتها العالية أو لتأثيرها الضار على عناصر البيئة المختلفة.

وبما اننا اليوم نتحدث عن المبيدات في اليمن من المهم الإشارة في البداية الى ان جميع أنواع المبيدات من مختلف الفئات وأصبحت تمثل خطرا حقيقيا ينال من ملايين اليمنيين بشكل يومي.

قد يهمك..عقولٌ لم تُلقّح… ففسد تفكيرها!

ويتمثل خطر استخدام المبيدات في اليمن إما نتيجة الاستخدام العشوائي للأنواع المصرح بها في ظل تدني الخبرة والوعي والتدريب لدى مستخدميها، أو باستخدامهم لمبيدات محظورة صنعت من مواد كيميائية شديدة السمية ذات خطورة عالية على الإنسان والبيئة تتشكل من مخلفات كيميائية ومواد حيوية غير فاعلة تعزز عمليات التمثيل الضوئي للنبات فتعجل بنموه سريعا، وهذا النوع يستخدم غالبا في مزارع القات.

وقد أثبتت الكثير من الدراسات أن هناك علاقة بين التعرض لمتبقيات هذه المبيدات والعديد من الأمراض على رأسها مرض السرطان وتشوهات الأجنة حيث يؤكد أخصائيو الأورام أن العديد من المبيدات المحظورة تحتوي مواد مسرطنة في موادها الفعالة او في المواد المضافة أو في الشوائب الموجودة، أو تتحول بعضها في التربة إلى مركبات مسرطنة تمتصها النباتات وتنتقل إلى الحيوان أو الإنسان الذي يتغذى على تلك النباتات.

وبإجراء جولة سريعة في بعض المراجع سنجدها تتحدث عن درجات مختلفة من الأعراض لأنواع مختلفة من الاصابات كفقدان الذاكرة، شلل الجهاز التنفسي، ضعف جهاز المناعة، الحساسية، ارتفاع ضغط الدم، تلف الجهاز العصبي المركزي، الإصابة بالسرطان، انهيار وظائف الكبد والخلل الهرموني، وتختلف مستوى الإصابة من حالة إلى أخرى باختلاف درجة السمية وحجم الأثر المتبقي من هذه السموم في البيئة ودرجة التعرض المزمن أو المؤقت لها.

كما يتحدث الأطباء عن خطورة حدوث حالات تسمم حادة قد تحدث نتيجة لتعرض سريع ومؤقت للتسمم بهذه المبيدات من قبل مستخدمي القات في اليمن.

وبحسب نتائج دراسة الباحثة الكبزري وهي دراسة يمنية حديثة استخدمت فيها الباحثة البيانات الاجتماعية لمائة امرأة حامل من الماضغات للقات والمترددات بشكل منتظم على مستشفى السبعين في العام 2017 ، أكدت هذه الدراسة أن المواد المضافة للمبيدات الكيميائية لها مخاطر وتأثيرات عالية على المواليد، وأن تلك المواد أحد أسباب تشوهات المواليد في اليمن وتسجل مستشفيات العاصمة والمحافظات مئات الحالات منها سنويا

وهذه التشوهات تحدث نتيجة لتعرض الأمهات المزمن لهذه المبيدات لفترات تتراوح بين السنة والعشر السنوات وتراكم موادها في الجسم لتصيبه بالسمية المزمنة وقد بينت نتائج الدراسة أن تشوهات الجهاز العصبي المركزي تصدرت قائمة هذه التشوهات بنسبة 76 بالمائة وتمثلت في استسقاء الدماغ.

وتتمتع هذه السموم بقدر كبير من الثبات في البيئة والأنسجة البيولوجية وقابليتها للذوبان في الدهون مما يؤدي إلى تراكمها وتعاظم متبقياتها في الطبقات الدهنية وانتقالها للأجنة وقد تفرز مع لبن الأمهات فينتقل الضرر إلى الأجيال التالية.

وقد تحدث هذه السمية المزمنة طفرات جينية تؤثر على انقسام الخلايا، فتنقسم عشوائيا بكثرة، ما يعني الإصابة بأنواع الأورام السرطانية والتي تختلف تبعا لنوع المبيدات، ما بين الإصابة بأورام سرطانية في الأمعاء الدقيقة والغدة الدرقية، والكليتين، أورام الأنثى عشر وكذلك سرطان البلعوم واللثة والمعدة.

وبما ان هذه المواد تؤثر على عملية الأيض داخل الخلايا، فإنها تؤدي إلى أمراض مزمنة كمرض الأنيميا الحاد بفقر الدم، كما أظهرت دراسات أخرى نسبة عالية من حالات الإصابة بالعقم والجلطات نتيجة التعرض المزمن لهذه السموم.

 

ليس ذلك فحسب، ثمة مخاطر أخرى للمبيدات متعلقة بالعمال والأطفال ممن يعملون في رش مزارع القات بالمبيدات، وبالتالي يتعرضون لهذه السموم عن طريق الملامسة الجلدية المباشرة فتظهر عليهم الأمراض الجلدية والحساسية الشديدة او حساسية في العيون، كما يتعرضون لاستنشاقها فتصل المواد السامة الى الجهاز التنفسي محدثة امراضا خطيرة متعددة كالحساسية الصدرية المزمنة والربو والالتهابات الحادة وغيرها.

اقرأ أيضاً..ارتداء الكمامات.. هل هو خطر على الصحة؟

اختراق المبيدات السامة للجلد أو دخولها إلى الجهاز الهضمي عن طريق الخضار والفواكه الملوثة التي تحمل الآثار المتبقية من هذه السموم، تتسبب أيضا في الإصابة بأمراض خطيرة أخرى مثل أمراض الكبد والفشل الكلوي، بالإضافة إلى ذلك تشير نتائج البحوث العلمية إلى أن الأثر المتبقي لتلك المبيدات يؤدى إلى ضعف القدرات الجنسية، والعقم.

المصادر:
– الإدارة العامة لوقاية النبات، “قائمة المبيدات المقيدة بشدة بالجمهورية اليمنية”، وزارة الزراعة. اليمن، 2017.
_ صحيفة 14 أكتوبر العدد رقم: (13866)، الموافق 1 سبتمبر 2007 , يوم السبت.
_الكبزري، منى احمد سعد(2017)، علاقـــة بعـــض مبيدات الآفــــات المستخدمـــة على شجرة القات بتشوهات المواليد في اليمن ، اطروحة دكتوراه ‏علوم الحياة – كلية العلوم– جامعة صنعاء. ‏

*باحث في الشئون الصحية والتعليمية

أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن و نشرت بالتتابع مع موقع “عدن الغد”