6 دقائق للقراءة 1047 كلمة
عوافي – نجود مرشد|
قبل سبعة أعوام تقريبا رفض الشاب محمد صالح العديني طلب خطيبته حينها، إجراء فحوصات ما قبل الزواج، وعندما ألحت عليه، اعتبرها نوع من الإهانة واتهم خطيبته باختلاق أعذار لعدم إتمام الزواج.
ظل العديني متمسكًا بموقفه حتى أنجب طفله الأول والوحيد، عندما أخبره الأطباء بانه يعاني من إعاقة ذهنية ستصاحبه طوال حياته، ويقول في حديثه لـ منصة عوافي “كنت أعتقد بأن الفحوصات فيها شيء من الإهانة للرجل وأيضا تدخل في قدرة الله”.
قد يهمك .. “القيصريّة” في اليمن: عمليات مُربِحة ومضاعفات قاتلة
اليوم أصبح الندم يلازم العديني طوال الوقت، رغم أن زوجته هي التي تعتني بالطفل، الذي يحتاج لعناية خاصة ودعم متكامل لتوفير احتياجاته من الادوية والتغذية والتربية بشكل عام.
من جانبها تقول زوجة العديني لـ منصة عوافي”لقد كنت أخشى هذه النتيجة، لذلك حاولت إقناعه بإجراء الفحوصات قبل الزواج لكنه حينها رفض وفسر إلحاحي عليه بشكل خاطئ”، وأضافت: ” اليوم أنا من يدفع ثمن قراره لأنني من يهتم برعاية الطفل، وأنا وهو نتحمل مسؤولية هذا الطفل البريء”.
ليست العادات والتقاليد والتشكيك في موضوع “الرجولة” فقط هي من تمثل تحدي برامج الفحص الطبي قبل الزواج، حيث يخشى بعض الرجال من أن تؤدي هذه الفحوصات إلى إثارة الشكوك حول حالته الصحية، وبالتالي قد تُفشل الزواج، أو إلى تفكك العلاقة الزوجية، وهذا ما دفع العشريني فارس صلاح، اسم مستعار، الى رفض إجراء فحوصات ما قبل الزواج بشكل قاطع، برغم معرفته الكاملة بموضوع الفحوصات الطبية قبل الزواج.
كان صلاح مرتبطًا بابنة عمه ويرغب بالزواج منها وبعد الخطوبة رفض إجراء الفحوصات خوفًا الكشف عن أي مرض محتمل يمكن أن يؤدي إلى فشل الزواج. يقول صلاح لـ منصة عوافي: “رغم تنبيهات بعض الأقارب إلى ضرورة إجراء الفحوصات إلا أنني حينها كنت أتجنب أي سبب أو احتمال قد يعرقل زواجي بابنة عمي، ومنها نتائج الفحوصات”.
لكنه اليوم يشعر بالندم بعد أن خلَّف طفلين يعانون من تكسرات في الدم. وبحسب صلاح، لم تكن زوجته تعرف عن موضوع فحوصات ما قبل الزواج إلى أن أخبرها الأطباء في رحلة المعاناة مع الطفلين، مؤكدًا بأنها من يتحمل أعباء العناية بالطفلين، لأن ظروف عمله يقتضي الغياب عن البيت معظم الوقت.
وفي هذا السياق توضح الأخصائية الاجتماعية الأستاذة سماح النونو بأن أهم الأسباب التي تدفع الرجل اليمني إلى رفض إجراء فحوصات ما قبل الزواج متعلقة بالعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية، إذ يعتبر الكثير من الرجال موضوع الفحوصات جرحًا لكرامته ورجولته. وتقول لـ عوافي “يعتبر الرجل نفسه صاحب القيادة والقوامة والقول والرأي الأول والأخير له، في كل شيء لذلك حين يقوم بالزواج يعتبر موضوع الإنجاب والأولاد شيء يخص رجولته وذكوريته” لكن من يتحمل أعباء النتائج، غالبًا، هن الأمهات ويكون الأطفال هم الضحايا”.
وأرجعت السبب إلى ضعف الوعي بأهمية وضرورة الفحوصات، مستشهدةً بالفرق في نسبة تقبل الرجال في المدن لهذه الخطوة بين المقيمين في المدن والمقيمين في الأرياف، إذ تلاحظ أن المقيمين في المدن أكثر تقبلًا لإجراء الفحوصات من المقيمين في الأرياف، لكنها تعود وتؤكد بأن الكثيرين من المقيمين في المدن أيضًا يرفضونها لذات الأسباب.
لكن في المقابل تتحمل الأمهات في المدن والأرياف معاناة رعاية الأطفال والاهتمام بهم، وأحيانا تُلام الأمهات ويعتبرونهن السبب ويتهمونهن بإنجاب أطفال غير أصحاء، ودعت إلى ضرورة رفع وعي المجتمع فيما يتعلق بفحوصات ما قبل الزواج وفرض قانون يجبر المقبلين على الزواج إجراء الفحوصات، فعندما يصبح قانونًا نافذًا سيحد من تأثير العادات والتقاليد في هذا الموضوع، حد قولها.
الأمهات يتحملن العبء
تدرك الأستاذة أحلام قاسم غالب المدير التنفيذي لجمعية ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال عملها لسنوات في مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، حجم المعاناة التي تتحملها الأمهات في رعاية أطفالهن المرضى.
وتقول في تصريح خاص لـ منصة عوافي : “هذا الواقع المرير، يتسبب في معاناة شديدة للأمهات، اللواتي يحملن على عاتقهن، عبء رعاية أطفالهن المرضى، بالإضافة إلى الألم النفسي الذي يشعرن به، يتعرضن لضغوط اجتماعية، واقتصادية كبيرة، نتيجة تكاليف العلاج، والرعاية، المستمرة، كما أن نظرة المجتمع، لهؤلاء الأطفال، وأسرهم، قد تكون سلبية، في بعض الأحيان، مما يزيد من معاناتهن”. كما أن الأطفال هم الضحايا بدرجة أساسية لرفض الآباء إجراء الفحوصات، حيث يعيشون حياة مليئة بالمعاناة نتيجة تصرف الإباء ولا علاقة لهم به.
وطالبت الجهات المختصة فرض الفحص الطبي، الإجباري، قبل الزواج، وتقديم برامج توعية واسعة النطاق، وتوفير الدعم النفسي والمادي للأسر التي لديها أطفال معاقين.
يتم إجراء فحوصات للمقبلين على الزواج بغرض معرفة وجود الإصابة لصفة بعض أمراض الدم الوراثية مثل فقر الدم “الثلاسيميا” ومتلازمة داون وبعض الأمراض الأخرى مثل فيروس الكبد ونقص المناعة وغيرها، حصول المقبلين على الزواج على المشورة الطبية اللازمة ومعرفة البدائل المتاحة ومساعدتهم في بناء أسرة سليمة صحيًّا.
إقرأ أيضاً .. الكوليرا يجتاح اليمن من جديد ويهدد حياة السكان
وفي هذا السياق أوضحت أخصائية النساء والولادة الدكتورة هناء كامل والتي تعمل في مركز بني حوات شمال العاصمة صنعاء عن أهمية الفحص الطبي قبل الزواج من الناحية الطبية.
وأفادت في حديثها لـ منصة عوافي بأن الهدف من الفحوصات هو الكشف عن الإصابة بالأمراض الوراثية خاصة عند الأشخاص الحاملين لبعض الأمراض مثل الأمراض الجينية وأيضا المنقولة جنسيا، بينما لا تظهر لديهم أعراض لها، مشيرة إلى أن احتمالية انتقال هذه الأمراض الوراثية للأطفال عالية.
وتؤكد الكامل عدم وجود أي أضرار صحية على المقبلين على الزواج من فحوصات ما قبل الزواج، وتنصح بعمل هذه الفحوصات قبل البدء بإجراءات الزواج خاصة إذا كان الزوجان لهما صلة قرابة من الدرجة الأولى.
تلعب فحوصات ما قبل الزواج دوراً حيوياً، في الوقاية من الأمراض الوراثية، التي قد تنتقل للأبناء، خاصة في حالات زواج الأقارب، وفقا للدكتورة سمية الهاشمي، رئيس قسم المختبرات في مستوصف النخبة النموذجي، والأستاذة في معهد دلتا ساينس، للعلوم الصحية والتقنية، والتي أكدت بأن زيادة التقارب الجيني بين الزوجين في حالات زواج الأقارب، يزيد من خطر الإصابة بأمراض وراثية، وأمراض أخرى، مثل التلاسيميا، والعيوب الخلقية.
وكشفت الهاشمي بأن الإقبال على إجراء هذه الفحوصات للمقبلين على الزواج ضعيف، وذلك يعود بشكل رئيسي إلى ضعف الوعي بأهميتها. وأضافت “أنها خطوة بسيطة، يمكن أن تحمي الأجيال القادمة، من العديد من الأمراض الوراثية”.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية