9 دقائق للقراءة 1619 كلمة
محمد غبسي: عوافي
وصف الثلاثيني عبدالله خالد الجبري ما يعانيه المواطن بسبب التلاعب بأسعار الأدوية في اليمن بـ “المعاناة التي تقصم ظهر المريض” وتضيف إلى أوجاعه الناتجة عن المرض أوجاع أخرى بعد أن حولته إلى فريسة لبعض الصيدليات الخاصة “المخالفة” حد قوله.
قبل أيام قليلة إشترى الجبري دواء وصفه الطبيب لوالدته من احدى الصيدليات بجوار مستشفى الأمومة والطفولة في مدينة إب، وسط اليمن، بلغت كلفته سبعة آلاف ريال، ما يقارب 11$، وخلال عودته إلى المنزل دفعه الفضول للاستعلام عن سعر الدواء في صيدلية أخرى مجاورة لمنزله، ليكتشف أن سعره لا يتجاوز 50% من المبلغ الذي دفعه.
يقول الجبري في حديثه لـ منصة عوافي “لقد صدمني الفارق الكبير في سعر الدواء بين الصيدليتين والذي بلغ 50% في حين لا تتجاوز المسافة بين موقع الصيدليتين 2كم” لقد أضطر لإعادة الدواء إلى الصيدلية الأولى ليشتريه من الثانية بنصف القيمة السابقة.
وبينما يتساءل الجبري عن أسباب هذا التفاوت الكبير وموقف الجهات الرسمية حيال ما أسماه ” التلاعب بالأسعار “، أفاد مدرس الاقتصاد الدوائي الدكتور محمد النزيلي بأن القصور والإهمال في تطبيق القوانين واللوائح المنظمة للتسعيرة، هو من شجع التجار على التلاعب بالأسعار، بالإضافة إلى استغلال التجار للفراغ التنظيمي الذي تعيشه الجهات الرقابية وعمل مصفوفات تسويقية خاصة بهم.
وقال الدكتور النزيلي في حديثه لـ عوافي ” تقلب أسعار الصرف وانهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وسياسات البيع نقدي وآجل ينتج عنها فرق سعري في ظل عدم اشهار التسعيرة الرسمية”.
“البونص” .. سمسرة بآلام المريض
تكمن الشفرة الحقيقية لفك لغز التفاوت الكبير بأسعار الدواء بين صيدلية وأخر في نسبة الوسطاء أو ما يعرف في تجارة الادوية بـ “البونص” وهي نسبة يحصل عليها الوسطاء بين وكالات وشركات الادوية من جهة والصيدليات من جهة أخرى”.
ووفقا للدكتور النزيلي فقد تصل عمولة الوسطاء “أطباء، موزعين، محلات الجملة، العروض المجانية” الى أكثر من 35% من إجمالي ثمن الدواء وهذه النسبة تحمل بشكل ظالم على المريض.
بدوره أكد الدكتور الصيدلاني خالد الصرمي بأن “البونص” الذي تعتمده الشركات كنظام بيع هو أحد أهم أسباب تفاوت أسعار الأدوية، وللتوضيح أكثر ضرب الصرمي مثلا “الصيدلي الذي يأخذ ألف باكت من دواء معين قد يحصل على بونص بنسبة 100% وهذه نسبة تمكنه من البيع بسعر أقل حتى من سعر الشركة. أما الذي يأخذ كمية أقل يحصل على بونص بنسبة تقل وبالتالي سيبيع الدواء للمواطن بسعر أعلى من الأول. ” أي أن الصيدلي الذي لا يحصل على بونص كامل من الشركة يعوضه برفع سعر الصنف عند بيعه.
ووصف البونص في تصريح لـ عوافي بأنه عبارة عن “نظام خاص بالشركات” يمكنها من بيع المنتج للعملاء بأسعار مختلفة، وليس نظام بيع معتمد.
أصناف أقل جودة
وأوضح الدكتور الصرمي بأن الأدوية التي تتفاوت أسعارها هي في الغالب أدوية تنتجها شركات هندية ومصرية وبنقالية وباكستانية ذات جودة أقل، خاصة بعد غياب منتجات شركات الأدوية الأوروبية بشكل كبير عن سوق الدواء اليمني خلال السنوات الأخيرة، وهذا ما ساهم في تفاوت الأسعار، بالإضافة إلى دخول الكثير من الأصناف عن طريق التهريب.
وفي هذا السياق أكد الصيدلي محمد فاروق بأن بعض الصيدليات تبيع أدوية مقلدة أو ذات فاعلية ضعيفة “بعضها غير مرخصة” موضحا بأن مثل هذه الأدوية قد تجلب الضرر للمريض بسبب ارتفاع نسبة الخطر من الأضرار الجانبية، وبالتالب فإن استخدام المريض لهذه الأدوية يساهم في بقاء المرض واستمرار المعاناة.
قد يهمك..أكثر من 60% زيادة وفيات كورونا في اليمن خلال سبتمبر
ورغم أن عضو الهيئة الإدارية لنقابة ملاك صيدليات المجتمع في محافظة إب الدكتور هلال الغبسي يرى بأن الشركات المصنعة او المستوردة للأدوية هي من تتسبب بتفاوت أسعار الأدوية لعدم وضع التسعيرة النهائية للمستهلك على الباكت أو المنتج الدوائي، وهذا ما يشجع التجار على البيع بالسعر الذي يريدونه، خاصة في حالة عدم توفر صنف معين في السوق بالشكل المطلوب، إلا أنه يعود للحديث عن البونص ودوره في التلاعب بالأسعار.
يقول لـ عوافي ” في الغالب معظم الشركات تبيع المنتج بسعر موحد، غير أن هناك تلاعب في البونص ” موضحا بأن بعض الصيدليات تحصل على 20% بونص وأخرى 30%، وقد يحصل البعض على أكثر من 50%، وكلما زاد البونص كلما قل سعر الصنف.
ضعف الرقابة ومقترحات ناقصة
بينما حمل الغبسي وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية مسؤولية ضبط الشركات ومراقبة سوق الدواء بشكل عام، أقر مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة الدكتور سمير السنافي بأن ضعف الرقابة من قبل المؤسسات الحكومية أحد أهم أسباب تفاوت أسعار الأدوية في السوق، بالاضافة إلى تغير سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الريال اليمني.
وفي تصريح خاص لمنصة عوافي أكد السنافي ان المشكلة ازدادت بسبب الحرب والحصار وتقلب سعر الصرف خاصة وأن معظم الادوية مستوردة من الخارج، وهذا ما دفع بعض التجار للتوقف عن استيراد الأدوية ومنها أدوية حيوية ما يؤدي للاحتكار والتهريب، إضافة لاختلاف سعر الشراء في عدة فترات، حد قوله.
إقرأ أيضاً..كيف تقوي مناعة طفلك ضد الأوبئة؟
ولفت السنافي إلى أن الوزارة بدأت مؤخرا باتخاذ إجراءات تصحيحية كوضع تسعيرة موحدة وفق بيانات صحيحة وليس كما يريد التاجر، وألزمت المستوردين بإشهارها خلال الفترة المقبلة، وهذه الإجراءات ستحد من إشكالية تفاوت الأسعار، ووفقا السناني كانت الوزارة قد نشرت قائمة بأسعار 500 صنف وتم إشهار تسعيرها على باكت المنتج، ومن المنتظر اشهار بقية الأصناف.
اعتماد تطبيق يعمل على الهواتف الذكية يعرف المواطن من خلاله السعر الرسمي لأي دواء، كانت إحدى الأفكار التي تم طرحها والبدء بتدشينها، غير أن الفكرة فشلت. بحسب قوله.
ويوضح السنافي سبب الفشل إلى أن التطبيق لم يشمل جميع الأدوية المتوفرة في السوق المحلي ولم يتم تحديث البيانات الموجودة فيه.
ورغم فشل هذه الفكرة إلا أن رئيس مجلس إدارة نقابة ملاك صيدليات المجتمع الدكتور محمد النزيلي ما يزال يرى بأن إصدار دليل إلكتروني محدث لكل المنتجات المسجلة رسمياً وفق سلسلة قيمة يتم إعادة هيكلتها، وإلزام الصيدليات بالتسعير للمنتجات الموجودة سلفا بالتسعيرة المقرة في الدليل والإبلاغ عن أي وكيل لا يشهر التسعيرة من تاريخه يمكن أن تحد بشكل كبير من المشكلة.
وعن شكاوى المواطنين أوضح السنافي أن أي شكوى تصل للإدارة يتم التعامل معها بجدية ويتم تكليف فريق ينفذ نزولا ميداني للتأكد من صحة ما جاء في الشكوى ومن ثم عمل محضر مع المخالفين واتخاذ اجراءات حسب القوانين اليمنية، مستدركاً “في بعض الحالات لا ترقى المعالجات لطموحات المواطنين ففي حال اختلاف التسعيرة تكون الغرامة ١٠ ألف ريال فقط ،16.5$”.
توقف صندوق الدواء
رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك الأستاذ فضل منصور حدد مكمن الخلل الذي تسبب في التلاعب بأسعار الأدوية عندما أفاد بأن المشكلة بدأت عندما توقف نشاط صندوق الدواء “منذ أربع سنوات تقريباً” الذي أنشأ بقرار من رئيس الوزراء في عام 2000، موضحا بأن وزارة الصحة كانت تقوم بتسعير الأدوية من خلال الصندوق، “لقد كان السعر موحد في جميع صيدليات ومخازن الأدوية في جميع محافظات الجمهورية”.
وأكد في تصريح لـ عوافي بأنه منذ توقف نشاط الصندوق تُرك الأمر لشركات الأدوية المستوردة والمنتجة، لافتا إلى ضرورة أن يضع وكلاء الشركات السعر النهائي للمستهلك على علبة الدواء، وقال “مسؤولية الرقابة على الدواء من حيث الأسعار والجودة تقع على وزارة الصحة ومكاتبها بالمحافظات والسلطة المحلية”.
وشدد منصور على أهمية تفعيل الرقابة على أسعار وكفاءة الادوية لأنها تمس بشكل مباشر صحة وسلامة المواطنين، وطالب بتفعيل مختبر فحص وتحليل الدواء التابع للهيئة العليا للأدوية وعدم السماح بدخول الأدوية غير مطابقة للمواصفات.
يذكر أن القرار الجمهوري رقم ( 231 ) لسنة 1999م قد أوكل مهمة تحديد وتوحيد وإصدار أسعار الأدوية على الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية، كما جاء في المادة الـ 8 والـ 9 منه أن على الهيئة “تحديد وإصدار التسعيرة الدوائية ومراقبة تطبيقها واتخاذ الإجراءات القانونية عند المخالفة، وفحص وتحليل الأدوية المستوردة والمصنعة محلياً للتأكد من سلامتها ومطابقتها العلمية وإجازة استعمالها وتداولها وينطبق ذلك على المواد الخام المعدة للتصنيع الدوائي”.
اخترنا لك..شليلي يحدد أهم الطرق للتعامل مع المريض النفسي “العدواني”
مؤخراً نشرت الهيئة العليا للأدوية عن القائمة الأولى بالأدوية والمستحضرات التي أقرت أسعارها وفقا للسعر المقدم من الوكيل، ونشرت في موقعها الرسمي في الـ 13 من سبتمبر الفائت.
القائمة التي اطلعت عليها منصة “عوافي” تضمنت 313 صنفاً دوائياً بدأت بـ LINCOCILE, Vial, 300mg, 1’s” حددته بسعر “238” ريال للجمهور، وانتهت بصنف “YE-NEXITOP, Capsule, 20mg, 10×10’s” الذي حددت سعره بـ “3354” ريالا كسعر بيع للجمهور.
وكان مدير عام الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية الدكتور محمد الغيلي قال في تصريح سابق نشر في موقع المجلة الطبية منتصف يوليو الماضي أن الهيئة تعمل على تحديد أسعار الأدوية وفق آلية علمية وعملية.. يتم إنجازها بالتنسيق مع مختلف العناصر الفاعلة كمستوردي ومنتجي الأدوية”، وأكد أنها ستعلن قوائم الأسعار على مراحل ابتداء من سبتمبر.
شاهد.. أهم أسباب الإصابة بالجلطة القلبية