5 دقائق للقراءة 975 كلمة
د. أيمن مذكور*
لم يكن مستوى الخدمات الصحية في اليمن -قبل اندلاع الصراع- يلبي احتياجات الناس كما يجب، لكن الحرب التي نشبت عام 2015 ساهمت بشكل كبير في تراجع مستوى الخدمات الصحية لتضع السلطات أمام تحديات وصعوبات عديدة خاصة في ظل انتشار الأوبئة وعودة امراض كانت اليمن قد تخلصت منها.
إن المتابع للوضع الصحي في العقد الأخير سيلاحظ التراجع المستمر في مستوى الخدمات الصحية كماً ونوعاً والذي يظهر بوضوح من خلال الزيادة المضطردة لحالات الاصابة بالأمراض ذات الطابع الوبائي، مثل ارتفاع عدد حالات الاسهالات المائية (الكوليرا)، وارتفاع في حالات الاصابة بالحصبة بين الأطفال نتيجة تراجع معدلات التغطية للتحصين ضد الحصبة والتحصين الروتيني بشكل عام، والذي جاء بسبب ضعف الوعي المجتمعي بأهمية التطعيم.
وما زاد الطين بلة انتشار معلومات مغلوطة وشائعات تشكك في جدوى واهمية تطعيم الأطفال وتحث الآباء والامهات على عدم تطعيم أبنائهم في حين لم تتصدى السلطات الصحية والإعلامية بحزم لدحض هذه الشائعات، وهذا جعل بعض أولياء الأمور يصدقون الشائعات ويحرمون أطفالهم من جرع التحصين، وهذا ساهم في عودة ظهور عدد من امراض الطفولة القاتلة التي تخلصت منها غالبية دول العالم مثل شلل الأطفال، الحصبة، الدفتيريا، التهاب السحايا، السل وفيروسات التهاب الكبد الوبائية.
كما نلاحظ زيادة مستمرة في معدلات الاصابة بالملاريا وحمى الضنك وارتفاع حالات الوفاة -خاصة بين الاطفال وكبار السن- نتيجة تراجع حجم الدعم المالي وتوقف أنشطة مكافحة البعوض الناقل للملاريا وحمى الضنك سواء من خلال رش برك المياه الراكدة بالمبيد الحبيبي وحملات الرش بالمبيد ذو الأثر الباقي للمنازل أو توزيع الناموسيات التي كانت تنفذ في مناطق واسعة من البلاد خاصة في المناطق التهامية وأسفل الجبال والهضاب بالإضافة لضعف وتراجع حملات التوعية بطرق الوقاية من الاصابة بالملاريا وحمى الضنك.
قد يهمك..تأهُّب منخفض لمواجهة الفيروس في اليمن
ومن العوامل أيضا تركيز السلطات الصحية على قطاع الطب العلاج وتخصيص الدعم المالي لهذا القطاع على حساب القطاعات الصحية الأخرى كالخدمات الوقائية لقطاع الرعاية الصحية الاولية وقطاع السكان.
لقد تسبب ذلك في حدوث انتكاسة في مؤشرات قطاع الرعاية الصحية الأولية كالتحصين ومعالجة سوء التغذية وخدمات رعاية الام والوليد وهذا ساهم في اضعاف المناعة عند الكثير من الأهالي ليصبحوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية والوبائية.
يحدث ذلك رغم تقديم دعم معقول للخدمات العلاجية بالمرافق الصحية لكن حجمها لا يتناسب مع عدد المرضى الكبير الذي يفوق طاقتها الاستيعابية، وهذا التزايد جاء نتيجة تعرض السكان للإصابة بأمراض كان يمكن الوقاية منها بسهولة وأقل كلفة وفي وقت قصير وذلك من خلال دعم وتفعيل برامج الرعاية الصحية الاولية الوقائية.
أيضا من عوامل تدهور الخدمات الصحية اغلاق وتهدم الكثير من المرافق الصحية نتيجة الحرب، او صعوبة التنقل نتيجة الوضع الامني الغير مستقر والتي أدت الى حرمان شريحة كبيرة من السكان من الحصول على الخدمات الوقائية والعلاجية في الوقت المناسب، خاصة من اضطروا للنزوح والإقامة في مخيمات تفتقر لأبسط الخدمات الصحية والمياه النظيفة والصرف الصحي وهذا ساهم في انتشار الكثير من الامراض المعدية والوبائية.
عوامل أخرى مثل ضعف التنسيق بين قطاع الصحة والقطاعات الأخرى كالإعلام والأمن والمياه والتعليم، ساهمت في عدم استغلال الامكانيات الحكومية المتوفرة وتراجع مستوى تنفيذ الأنشطة الصحية وتوقف بعضاً منها.
ومن العوامل الأخرى أيضا وقف صرف المرتبات للعاملين الصحيين مما دفع الكثير من الكوادر الصحية لترك العمل المؤسسات الحكومي والبحث عن فرص عمل أخرى في القطاع الخاص داخلياً او الهجرة لدول الجوار بحثاً عن وظيفة يعيلون من خلالها أسرهم.
ويصبح الأمر أكثر تعقيدا في ظل انتشار الشائعات، خاصة فيما يتعلق بلقاحات الأطفال، حيث نشهد بشكل مستمر انتشار شائعات تحث الأهالي على عدم تلقيح أطفالهم، ومن هذه الشائعات ان لقاحات الحصبة تؤدي الى إصابة الطفال بمرض اخر، رغم ان منظمة اليونيسف تؤكد عبر موقعها الرسمي بان “اللقاحات مأمونة وفاعلة، وما يحدث من أعراض هي أمور مؤقته يمكن السيطرة عليها من خلال تناول الأدوية التي يصفها الطبيب”.
اقرأ أيضاً..دور الصيدلاني في الترصد الوبائي واللقاحات كعوامل لمكافحة الأمراض المعدية
الآن وبعد أن استعرضنا في السطور السابقة بعض الأسباب التي تواجه السلطات الصحية والتي أسهمت بصورة مباشرة او غير مباشرة في انتشار الأمراض والأوبئة، سوف نلخص المقترحات الضرورية لإعادة تنشيط وتفعيل الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين وتحسينها كماً ونوعاً وبالتالي السيطرة على الأمراض الوبائية والحد من انتشارها.
لكي ننجح في رفع مستوى الخدمات يجب ان يحظى هذا التوجه بمساندة وتأييد من القيادة السياسية العلياء لقطاع الصحة، ومن ثم وضع خطة استراتيجية صحية للبلد يشارك في إعدادها ممثلين من القطاعات ذات العلاقة بقطاع الصحة مثل المجالس المحلية والاعلام والمياه والمنظمات الدولية والمحلية على أن يراعى اثناء اعدادها التوازن في توزيع الدعم والتمويل لأنشطة الرعاية الصحية الاولية الوقائية وخدمات رعاية صحة الأم والوليد بالتوازي مع الدعم المقدم لقطاع الطب العلاج.
بالإضافة الى عقد الشراكة مع المنشآت الطبية الخاصة للمساهمة في تقديم الخدمات الوقائية كرديف للمرافق الصحية الحكومية وحشد مزيد من الدعم والتمويل الدولي لقطاع الصحة واستغلال منظمات الامم المتحدة للمساعدة في استجلاب الدعم لتمويل انشطة مكافحة الملاريا والكوليرا ودعم حملات التحصين والتوعية.
ويرافق ذلك تعهد السلطات الصحية والجهات ذات العلاقة بتقديم مزيد من التسهيلات لتنفيذ الأنشطة الصحية المدعومة من قبل المنظمات المحلية والدولية وتوزيعها حسب معايير الاحتياج وبشفافية، بالإضافة الى تبني سياسة إعلامية وتوعوية واضحة تضمن سرعة التصدي ودحر الإشاعات والمعلومات الخاطئة وخاصة ما يتعلق بتطعيم الأطفال والأمهات ضد الأمراض الفتاكة والاشاعات المرتبطة بقضايا الصحة الإنجابية ووسائل تنظيم الحمل.
كما يراعى أن تتضمن الخطة الاهتمام ببرنامج الترصد الوبائي والانذار المبكر وربطه ببقية برامج الرعاية الصحية الأخرى كبرنامج التحصين وبرنامج التثقيف الصحي وغيرها من القطاعات.
وتوفير الدعم اللازم لتنفيذ المزيد من البحوث والدراسات الميدانية المتعلقة بقطاع الصحة والاستفادة من نتائجها في ايجاد الحلول المناسبة لمعالجة المشاكل الصحية الموجودة.
*استشاري التخطيط والتطوير الصحي والجودة
أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز Internews ضمن مشروع Rooted In Trust في اليمن