6 دقائق للقراءة 1106 كلمة
توفي العشريني نايف الحريبي في منطقة بني الحارث شمال صنعاء بعد عام من إصابته بالفشل الكلوي، وتدهور حالته الصحية بشكل متسارع رغم التدخلات الطبية التي خضع لها متنقلا بين أكثر من مستشفى.
عوافي/نجود مرشد
وبحسب والد الحريبي الذي روى القصة لمنصة عوافي، كشفت الفحوصات المخبرية التي أجريت للمريض اثناء فترة العلاج بأن إصابة الكلى بالفشل جاء نتيجة الاستخدام المفرط للأدوية المسكنة، وأرجع الأطباء ممن أشرفوا على الحالة أسباب الفشل إلى الافراط في تناول البروفينيد PROFENID.
يقول الحريبي “لقد كان يتناول أقراص البروفينيد PROFENID قبل البدء في جلسات القات بشكل يومي من أجل تخفيف ألم الأسنان” مؤكدا أن ابنه ظل يستخدم هذا الدواء منذ عدة سنوات حتى أصيب، بالفشل الكلوي.
قد يهمك .. آفة تقتات صحة اليمنيين وأموالهم
واعتاد الكثير من اليمنيين استخدام الأدوية المسكنة قبل جلسات القات لتساعدهم على عدم الإحساس بآلام الأسنان التي تحدث نتيجة تعاطي القات لساعات، مستغلين سهولة الحصول على هذه الأدوية من الصيدليات بدون وصفة طبية، كما أصبحت بعض الأصناف تباع في البقالات نتيجة الإقبال الكبير عليها من قبل الأهالي.
الأمر لم يعد مقتصرا على الرجال فقط، فمع انتشار القات بين النساء اليمنيات صاحبه استخدام الأدوية المهدئة كما هو الحال بين الرجال، رغم زيادة مخاطر إدمان هذه الأدوية على المرأة خاصة في فترات الحمل والرضاعة، إذ قد تلحق أضرارا صحية بالغة بالأم والجنين كما حدث مع الثلاثنية غادة سنان ،اسم مستعار، والتي تعيش في منطقة العدين بمحافظة إب، وسط اليمن.
فقدت سنان طفلها بعد يوم على ولادته ونقله إلى حضانة أحد المستشفيات في مدينة إب، لقد كان يعاني من تشوهات خلقية ونقص شديد في الوزن، ووفقا لـ سنان أرجع الأطباء أسباب التشوهات الخلقية ومن ثم الوفاة إلى إفراط الأم في استخدام المهدئات منذ الشهور الأولى للحمل.
وتبين سنان في حديثها لمنصة عوافي بأنها كانت تستخدم أنواعا كثيرة من المسكنات أثناء تعاطيها للقات في الشهر الأول بشكل يومي، وقد أدى ذلك إلى إصابتها بفقدان الشهية وسوء تغذية حاد أثناء فترة الحمل.
تأثيرات مضاعفة
أوضح استشاري جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري الدكتور عادل الكريبي أن الإدمان على استخدام الأدوية المهدئة مع القات يؤدي إلى فعل نوع من التآزر بين المواد المخدرة الموجودة في تركيبة الأدوية والمواد المتواجدة في القات ما يؤثر سلبا على الدماغ والأعصاب بشكل رئيسي بالإضافة إلى زيادة مستوى الإدمان عليها.
وأفاد في حديث لمنصة عوافي بأن بعض الشباب يضعون الأدوية المهدئة في مشروبات غازية ويتناولونها مع القات وجميع هذه المكونات إما تحتوي على مادة الكافيين أو ما يماثلها، مشيرا إلى أن زيادة تركيز هذه المادة يؤدي إلى الإدمان.
وتنقسم الأدوية المهدئة إلى نوعين بحسب مكوناتها “نوع يحتوى على مواد مخدرة وآخر لا يحتوي على هذه المواد”، وفقا للدكتور الكريبي، موضحا أن الهدف من المهدئات هو تخفيف الألم، غير أن الاستمرار في استخدام بعضها يؤدي إلى الإدمان وتعرض المدمن إلى مخاطر صحية سواء تم استخدامها مع القات أو بدونه.
وشدد الدكتور الكريبي على ضرورة منع تداول وبيع الأدوية المهدئة إلا بوصفة طبية وضمن شروط يلتزم بها الطبيب، وقال “يمنع في كثير من الدول بيع مواد مثل مادة الترامادول إلا بوصفه طبية وللضرورة القصوى” بينما في اليمن يتم بيع المهدئات بدون وصفة طبية وتصرف بشكل كثير حتى من قبل الأطباء، وهذا يؤدي إلى تزايد المدمنين عليها بشكل واضح، حد وصفه.
مخاطر نفسية
خلال شهرين فقط تعرض جميع أفراد عائلة العشريني محمد الحسام لنوع من الاعتداء بالضرب أو الشتم تحت مبرر الدفاع عن النفس، لقد كان الشاب يتوهم بأن من حوله لا يهتمون به ويتآمرون عليه ويخططون لقتله.
تفاقم الحالة الصحية دفع عائلة الحسام لعرضه على أخصائي نفسي بداية عام 2018، بعد أن أصبح يعاني من الاكتئاب والوسواس الدائم، وهنا أكد الأخصائي وفقا للحسام، أنه يعاني من بداية لأعراض مرض يسمى علميا “جنون الارتياب” مرجحا أن السهر الطويل والبقاء وحيدا وعدم التغذية بشكل مناسب من أهم أسباب الإصابة، وهذا جاء نتيجة تعاطي القات واستخدام الأدوية المهدئة لأوقات طويلة وبشكل مفرط.
يقول الحسام لمنصة عوافي “لم أكن أتناول القات إلا بعد استخدام قرص أو قرصين من المهدئات وأحيانا استخدم نوعين مختلفين في نفس الوقت، وأظل وحيدا مع القات لساعات طويلة وقد استمررت على هذا الحال لأكثر من ست سنوات”، موضحا أنه في بعض الأوقات كان لا يستطيع النوم لأكثر من يومين متتالين، وعانى من نوم متقطع وفقدان الشهية وهزال في الجسم.
وفي هذا السياق يوضح أخصائي الأمراض النفسية الدكتور إبراهيم الحدي أن للقات ،بحد ذاته، تأثيرا سلبيا كبيرا على الصحة النفسية للمتعاطي، مؤكدا أن استخدام بعض الأدوية المهدئة مع القات يضاعف المخاطر الصحية النفسية ويحول حالة التعاطي إلى حالة إدمان.
وأضاف الحدي-الذي يعمل لصالح إحدى المنظمات الدولية في مجال حماية المرأة والطفل بمحافظة عدن جنوب البلاد- أن التأثيرات والمخاطر التي يتركها القات على المتعاطي مثل قلة النوم وعدم الاستقرار النفسي والجسماني والاكتئاب تتضاعف بشكل كبير عند استخدام الأدوية المهدئة مع القات.
الأكثر مبيعا في اليمن
ارتفعت مبيعات الأدوية المهدئة في اليمن خلال السنوات الماضية بشكل كبير جدا نظرا لاستخدام الكثير من الشباب لبعض الأصناف قبل وأثناء تعاطي القات بشكل يومي.
وفي هذا السياق تقدر الصيدلانية انيسة مرشد نسبة بيع المهدئات بأنها قد تصل إلى ما يقارب 90% من نشاط التداول الدوائي في اليمن.
إقرأ أيضاً.. لقاح كوفيد_19 وعدم تأثيره على الخصوبة والإنجاب
وأشارت مرشد التي تعمل في إحدى الصيدليات بالعاصمة صنعاء إلى فئة الشباب هي الأكثر إقبالا على شراء المهدئات خاصة قبل أوقات تعاطي القات الذي يبدأ غالبا بعد تناول وجبة الغداء منتصف النهار.
وقالت في تصريح لمنصة عوافي “الإقبال كبير من قبل الرجال والنساء مع الفارق الكبير لصالح الرجال” مؤكدة أن أكثر الأصناف التي تلاقي رواجا كبيرا قبل تعاطي القات هي MEFENIMEC و DEICLOFEN بينما يزيد الاقبال على أنواع أخرى مثل الـ SOLPADIN اثناء تعاطي القات.
وأفادت بأن يعض الأشخاص المدمنين على هذه الأنواع من المهدئات قد يصابون بالقلق ونوبات الهلع في حال لم يتمكن من الحصول عليه، منوهة بأن الاستخدام الطويل لهذه الأصناف يسبب الاكتئاب والإرهاق المزمن وصعوبة التنفس بالإضافة إلى مشاكل في حياتهم الجنسية.
أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن و نشرت بالتتابع مع موقع “عدن الغد”