القات.. حجر عثرة أمام علاج المرضى النفسيين في اليمن

‏  5 دقائق للقراءة        941    كلمة

وافق الثلاثيني محمد الخالدي ،اسم مستعار، على زيارة الأخصائية النفسية بعد جولات من المفاوضات مع عائلته لإقناعه بضرورة الخضوع للعلاج، وقد اشترط أن يحضر معه عدد من أفراد أسرته.

عوافي/ سهيرعبدالجبار

يمتلك الخالدي مشروعا خاصا أمّن له مستوى معيشيا جيدا لكنه يعاني من كثرة الأوهام والقلق والعصبية، وفقا للأخصائية النفسية فردوس الرباصي التي روت القصة لمنصة عوافي، موضحة أن هذه الأعراض كانت تظهر عند تناول الخالدي للقات، وتتوقف عندما يتوقف عن تناوله.

وتقول الرباصي وهي المسؤولة عن الجلسات النفسية والتأهيل للمرضى في مستشفى الرسالة “القات من أهم مصادر القلق لدى المدمنين عليه، والذي يؤدي إلى غياب الاستقرار النفسي وتعرضه للاضطرابات أكثر من الشخص غير المدمن على القات”، مشيرة إلى أن جلسات وطقوس القات المتكررة والحياة الروتينية للمدمنين على تناوله، تساهم في تعرضهم للاضطرابات النفسية بشكل كبير.

قد يهمك .. أهم الأمراض التي تشكل خطراً على حياة الأطفال وكيفية الوقاية منها

ووفقا للأخصائية الرباصي تأتي قلة النوم وساعات السهر والأرق التي تلي جلسات القات نتيجة تأثير مادة الكاثينول الموجودة في نبتة القات، والتي تنعكس آثارها السلبية على صحة متعاطي القات، إذ تتسبب في سرعة خفقان القلب والهلوسة والهياج وزيادة القدرة على تحمُّل الألَم، وقد يُصبِحُ بعض المرضى عنيفين كما حدث مع العشريني أحمد بشير من أبناء محافظة إب وسط اليمن.

وبحسب الرباصي تصبح ردة فعل بشير عنيفة ومن الصعوبة التفاهم معه في حال لم يحصل على القات .. لقد وصل إلى المستشفى وهو يعاني من الهذيان والهلوسة بعد أن كان يقضي ثمان ساعات في تناول القات بشكل يومي وغالبا ما يقضي بقية الساعات إما منعزلا أو في حالة صمت، حد وصفها.

ومن خلال تعامل الرباصي مع المرضى لسنوات توصلت إلى نتيجة تفيد بأن أغلب الحالات التي تصل إلى المستشفى تكون مدمنة على تعاطي القات، ويزيد إدمانهم على القات وتمسكهم به مع ظهور بعض الأعراض لاعتقادهم بأن القات يشعرهم بالراحة وأنهم قادرون على التفكير بشكل أفضل، مشيرة إلى أن تناول القات شائع بين أوساط الشباب لاعتقادهم بأنه مادة منبهة تساعدهم على التركيز أثناء مذاكرة الدروس سواء المدرسية أو الجامعية.

انفصام في الشخصية

لا تنحصر أضرار إدمان تناول القات على القلق والتوهم، بل قد يصاب الشخص المدمن على القات بشكل يومي بأمراض أشد خطرا على حياته مثل مرض الانفصام.

يقول رئيس جمعية يمن بلا قات الأسبق الدكتور حميد زياد، في كتاب اصدره نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة بعنوان (القات كارثة اليمن): “فوجئنا من خلال تتبع حالات الأمراض النفسية في بعض المناطق المزروعة بالقات، بأن معظم الحالات من الشباب المتناولين للقات مصابون بمرض انفصام الشخصية”.

وأثبتت دراسة ميدانية نفذها الدكتور زياد على 30 حالة عشوائية مصابة بأمراض نفسية بسبب تناول القات أنها تعاني حالة انفصام في الشخصية، وهذا ما ذهب إليه في تصريح سابق رئيس المجلس الأعلى للتعليم الطبي وأستاذ الجهاز العصبي بكلية الطب بجامعة صنعاء البروفسور حُسني الجوشعي الأسبق عندما قال “انفصام الشخصية من أخطر أنواع الأمراض التي يسببها تناول القات للمراهقين”.

مواد مخدرة

في سياق متصل تؤكد دراسة نفذها الدكتور جيجر “GEIGER” ومجموعة من الباحثين في الطب النفسي أجريت عام 1994م أن “القات يعمل على زيادة مادة الدوبامين في الدم، والتي تعمل على زيادة درجة الشكوك بخاصة بعد الإقلاع عنه”.

كما ثبت للدكتور جيرجر “GEIGER” وفريقه البحثي من خلال الدراسة التي أجريت على بعض الحالات التي تتناول القات في مستشفى هيث هيرتون في أستراليا، ومن خلال نتائج الفحوصات الإكلينيكية التي أجريت على الحالات أن هناك ذهاناً ينتج عن تناول القات يشبه الذهان الناتج عن تعاطي الامفيتامين وذهان البرانويا.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد صنفت مادتي الكاثينون والكاثين الموجودة في القات ضمن المجموعة الأولى من المخدرات، بعد ست سنوات من البحث والتجريب، كما أدرجتها منظمة مكافحة المخدرات الأميركية ضمن القائمة الأولى للمخدرات و”مواد الهلوسة”.

حالات مستعصية

يشتكي الأخصائيون النفسيون من عدم حرص أهالي المرضى النفسيين في منع المرضى من تناول القات، وعدم الاستمرار في الخطة العلاجية حتى نهايتها وسرعة الياس من تحسن حالة المريض.

وفي هذا السياق تفيد الأخصائية النفسية فاتن الضياني بأن مراكز العلاج تواجه مشكلة في منع المريض من تناول القات حتى أثناء فترة العلاج، وهذا يحد من تحسن المريض واستجابته للعلاج.

إقرأ أيضاً.. الأطفال أكثر عرضة لعدوى فيروس الروتا والوقاية هي الحل

وأوضحت في تصريح لمنصة عوافي أن بعض أهالي المرضى يجدون صعوبة في منع المريض من تناول القات، وقالت “بعض الاهالي يرون بأن لا فائدة من العلاج المتواصل ويتركون المريض بلا علاج” بحجة رفضه التام للتوقف عن تناول القات، وهذا ما حدث مع العشريني بسام السفياني ،اسم مستعار، من أبناء محافظة الضالع وسط اليمن.

دخل السفياني مستشفى الأمل للأمراض النفسية بالعاصمة صنعاء ثلاث مرات في فترات متقاربة “2017، 2019، 2020” للعلاج، وفي كل مرة كانت تتحسن حالته، لكنه سرعان ما يعود بنهم لتناول القات ليصاب بانتكاسة جديدة، وفقا لحديث شقيقه منصور لمنصة عوافي.

اليوم يقضي السفياني حياته مشردا في ميدان التحرير معتمدا على ما يقدمه له المارة من مساعدات يصرفها في القات وما تيسر من الطعام بانتظار أن يلحقه الكثير من الشباب ممن يعيشون نفس السيناريو الذي عاشه السفياني قبل أن يصل إلى الشارع.

أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن و نشرت بالتتابع مع موقع “ذمار أونلاين”