عوافي : دعاء المطري

يعيش الشاب يحيى أحمد ،19عاما، حالة تقلب مزاج حاد.. يضحك دون سبب ثم فجأة تعتريه ملامح الخوف والتوجس، وقد يصبح عصبيا بعد ثوانٍ قليلة.

يقول شقيقه مراد بأن حالة أحمد تفاقمت في رمضان بشكل كبير جداً ما اضطرهم لإحضاره إلى مستشفى الرسالة للعلاج النفسي في صنعاء، فرغم إصابته بالاضطراب النفسي الخفيف إلا أنه كان يمارس عمله ،قبل رمضان، في بيع الملابس في بسطته “فرشه في الشارع”.

ويشير مراد -في حديثه لمنصة عوافي- إلى أن شقيقه يعاني من حالات خوف وضعف وتشتت في التركيز والانتباه، بالإضافة إلى تقلبات في المزاج منها الضيق والعصبية المفاجئة الضحك المفاجئ وساوس بأن من حوله يكرهونه.

وخلال شهر رمضان تغير نمط حياة أحمد حيث أصبح  يسهر طوال الليل ولا ينام إلا بعد صلاة الفجر لمدة ثلاث ساعات ثم يستيقظ ليذهب إلى العمل على بسطة تحت أشعة الشمس وبين الرياح، وفقا لمراد.

يشرح الطبيب أخصائي الأمراض النفسية والعصبية الدكتور طه العصار الحالة النفسية للشاب أحمد قائلا: بأن السهر لساعات طويلة وعدم أخذ الجسم الساعات الكافية من النوم يؤثر بشكل مباشر على القدرات العقلية والذهنية مثل ازدياد التوتر، عدم قدرة الدماغ على  تنظيم العواطف، انخفاض مستوى التركيز.

وأضاف العصار -في تصريح لمنصة عوافي- بان حرمان الجسم من النوم لساعات كافية قد يؤدي إلى مشاكل في التركيز والاستيعاب، هلاوس سمعية وبصرية، حالة الذهان والأوهام، ضعف المناعة وحدوث الأمراض، العصبية والهياج، زيادة استهلاك الطعام.

ومن نتائج السهر الطويل خاصة في شهر رمضان الهياج والعصبية ، فنلاحظ زيادة في المشاجرات والنزاعات بين الأهالي في الشوارع ، أحيانا، بسبب أشياء بسيطة، حد قوله.

اضطراب الوزن

مخاطر السهر في رمضان وعدم حصول الجسم على ساعات كافية من النوم والراحة لا تنحصر على الجانب النفسي بل تؤثر على صحة ووزن الجسم كما حدث للعشرينية عليا جميل ،الاسم مستعار، التي تشكو من زيادة في وزنها وشعورها بالخمول الدائم.

ورغم التزام جميل بحمية غذائية ،وفق حديثها لمنصة عوافي، إلا أنها لم تستطع السيطرة على زيادة الوزن خلال رمضان، موضحة بأنها تشعر بخمول وإرهاق وفتور في عضلات الجسم.

جميل والكثيرات من الشابات اليمنيات ،خاصة غير العاملات، يسهرن لساعات طويلة ويحظين بساعات نوم قليلة ، حيث تقول “لا أنام إلا بعد شروق الشمس واستيقظ قبل أذان الظهر يوميا”.

  ويوضح العصار إلى أنه كلما زاد السهر زاد وزن الإنسان وأصبح من الصعب إنقاصه بسبب تنشيط نظام “الكانابينويد” الداخلي في الجسم مما يزيد الشهية  للأطعمة غير الصحية مثل الحلوى والموالح المليئة بالدهون، بالإضافة إلى زيادة مقاومة الأنسولين مما يؤدي إلى زيادة الشهية ونوبات الجوع وهذا يعد سبباً مباشر لزيادة الوزن أو السمنة.

وأوضح العصار أن أعراض مراحل الإصابة بالأرق عند الشخص الذي يتمتع بصحة جيدة تبدأ بعد مرور ثلاث إلى أربع ليال من السهر في الأسبوع الأول، وتتفاقم مع مرور الوقت، لتنال من صحة الإنسان إذ قد تسبب له بعض الأمراض مثل ارتخاء عضلة المريء، تراكم الغازات في الأمعاء بسبب سوء الهضم، ترسب الدهون على الكبد بشكل كبير.

قد يهمك..وسائل طبيعية للتخلص من الصداع أثناء الصيام

ومن المخاطر التي قد تلحق بالشخص نتيجة لسهر الليل والنوم طوال النهار، افتقار الجسم إلى المعادن مسبباً فقر دم، ضمور في عضلات الأطراف وهشاشة العظام الناتج عن نقص فيتامين دال والكالسيوم بسبب عدم التعرض للشمس.

وبحسب العصار قد يتسبب السهر الطويل وعدم حصول الجسم على فترة راحة ونوم طبيعية في  الإصابة بمرض السكري النوع الثاني، ارتفاع نسبة الكولسترول والدهون الثلاثية بالدم، تصلب الشرايين ويصبح الشخص أكثر عرضة للإصابة بالذبحة القلبية والجلطة الدماغية، بالإضافة إلى تصلب المفاصل، تكوّن حصوات المرارة، ارتفاع ضغط الدم وظهور آثار وعلامات تقدم العمر مبكراً.

 الأطفال ضحايا السهر

يصف طبيب الباطنية الدكتور عبدالكريم القدسي تأثير السهر في رمضان لساعات طويلة  على جسم الإنسان بأنها خطيرة جدا موضحاً بأن هناك علاقة بين عدد ساعات النوم التي يقضيها الإنسان وبين الصحة العامة للجسم، وإن انخفضت ساعات النوم عن معدل النوم الطبيعي من سبع إلى ثمان ساعات يومياً تصبح صحة الإنسان في خطر.

ونوه القدسي -في تصريح لمنصة عوافي- بخطورة التغير الجذري في نمط حياة المجتمع اليمني خلال شهر رمضان عندما يقضي الليل بأكمله في السهر ولا يحصل الجسم على الساعات الكافية من النوم.

الأمر لا يقتصر على الكبار فقط بل يطول الأطفال الذين تتعرض حياتهم الصحية للخطر نتيجة السهر، وفقا للقدسي، و يحرم الكثير من الأطفال من النوم الطبيعي أثناء الليل بسبب سهر معظم أفراد الأسرة، وهذا التغيير قد يؤدي في بادئ الأمر إلى اضطرابات في السلوك ثم يتفاقم ليصل إلى فقدان الوزن وغيرها من الاضطرابات الأخرى.

و أورد قصة الطفل عمر جلال ،7سنوات، الذي يعاني من فقدان ملفت في الوزن رغم الرعاية الغذائية من قبل أهله إلى جانب اضطرابات في السلوك منها رفع الصوت والعصبية المفرطة اتضح بأن السبب الرئيسي في ذلك عدم الاهتمام بالنوم في الليل؛ والنوم لساعات قليلة في نهار.

السهر والحوادث المرورية

ارتبط شهر رمضان عند سائق التاكسي الأربعيني سالم العباسي بارتكابه لحوادث سير فمعظم “العوج” في سيارته الصغيرة تذكره بشهر رمضان خلال سبعة أعوام من العمل في مهنة سائق سيارة أجرة.

يقول العباسي لمنصة (عوافي) “تكثر الحركة في ليل رمضان ما اضطر للسهر في العمل وبسبب ارتباطي ببعض الأعمال في الصباح اضطر للمواصلة دون نوم” فيباغته النعاس أحيانا وهو في طريقه ما يؤدي إلى ارتكاب الحوادث.

ويعتبر نفسه أكثر حظا من غيره، إذ لم يحدث إن تسبب في سقوط أحد ضحية لحادث سير، لكنه يتذكر بأنه تسبب في كسر ساق امرأة مسنة قبل ثلاثة أعوام عندما اصطدم بها في شارع فرعي بمنطقة الحصبة شمال صنعاء وقد كلفه علاج المرأة 90 ألف ريال ما يقارب (150دولارا).

ويرتفع معدل حوادث السير في رمضان بشكل كبير وفقا لرجل المرور هيثم الرياشي الذي يعمل في منطقة الحصبة، ويقدر الزيادة بـ 50% عنها في باقي أشهر العام.

يقول الرياشي لمنصة (عوافي) “السهر والعصبية تتسبب في زيادة عدد الحوادث في رمضان من كل عام” مشيرا إلى أن معظم الحوادث تقع خلال الفترة من الظهيرة إلى آذان المغرب.

فوائد النوم الطبيعي

للنوم وظائف هامة جداً إذ يعتبر  الدكتور طه العصار النوم واحدا من أهم مظاهر السلوك الإنساني الطبيعي التي تؤثر على الصحة، وفقا للدكتور العصار، إذ يأخذ ما يقارب ثلث عمر الإنسان، يعمل خلالها على تعزيز مناعة الجسم وتجديد نشاط الدماغ ، صيانة الطاقة العامة والحد من تأكسد الخلايا.

ويفيد بأن عدد ساعات النوم التي يحتاجها الجسم تختلف بحسب العمر، لكنها، بشكل لا تقل عن ست ساعات ولا تزيد عن تسع ساعات للبالغين، بينما يحتاج الأطفال وكبار السن والمرضى إلى النوم بمعدلات عالية.

ونصح العطار الجميع بأن يتخذوا من ساعات الليل في رمضان ملاذاً للنوم وتعويض النقص فيها ،عند الضرورة،  بالقيلولة في نهار رمضان والابتعاد عن السلوكيات الخاطئة، بالإضافة إلى أهمية الاسترخاء لمدة ساعة كحد أقصى قبل الذهاب إلى السرير، وجعل غرفة النوم مظلمة، كما أوصى بضرورة الامتناع عن تناول المنبهات وأهمية ممارسة بعض الأنشطة الرياضية بشكل منتظم.

اخترنا لك..الرحم المهاجر.. أعراض مختلفة والجراحة آخر الحلول