6 دقائق للقراءة 1199 كلمة
عوافي: دعاء المطري
على مدى ثلاثة أعوام كانت الطفلة فرح محمد (12 عاما) مجبرة على حبس البول أثناء تواجدها في المدرسة لمدة تزيد عن ست ساعات يوميا، وفي العام الثالث بدأت تعاني من التهابات في المسالك البولية.
يقول والد فرح -لمنصة عوافي- كانت طفلتي مجبرة على حبس البول حتى تعود إلى المنزل، نتيجة عدم وجود دورة مياه صالحة للاستخدام في المدرسة الحكومية.
لقد أخبرهم الطبيب أن حبس البول لساعات بشكل متكرر تسبب للطفلة بالتهابات حادة في المسالك البولية بالإضافة إلى بداية قصور في عمل المثانة، وفقا لتقارير طبية.
وبينما وضع والد فرح حلا جذريا لمشكلتها عن طريق نقل ملفها إلى مدرسة خاصة ابتداء من العام الدراسي الجاري 2021-2022م، تضطر الكثير من الطالبات، خاصة في المرحلة الثانوية، من بينهن أروى أحمد ،15عام للامتناع عن شرب الماء لساعات حتى لا يحتجن للذهاب إلى دورات المياه.
تقول -لمنصة عوافي- أن هناك خيارين أمامها وزميلاتها، في ظل انقطاع المياه عن دورات المياه في المدرسة، إما حبس البول حتى العودة إلى المنازل، أو الامتناع عن شرب الماء أثناء الدوام المدرسي لمدة ما بين ست وثمان ساعات يوميا.
أروى التي أصيبت بالتهابات في المسالك البولية، ابتكرت مع زميلاتها حلولا مؤقتة عندما أصبحن يضاعفن من كميات المياه المخصصة للشرب التي يصطحبنها في علب زجاجية واستخدامها في دورات المياه..
وخلال جولة ميدانية قامت بها معدة التقرير شملت عشر مدارس حكومية للفتيات في العاصمة صنعاء، كعينة عشوائية غير علمية، اتضح بان معظم مدارس الفتيات تعاني من عدم صلاحية دورات المياه أما نتيجة لعدم توفر المياه بشكل دائم أو متقطع، وإما لتلف الانابيب والابواب والشبابيك، حيث لاحظت معدة التقرير بان ثلاث مدارس من العشر تمتلك دورات مياه صالحة للاستخدام بشكل دائم.
رفض الذهاب الى المدرسة
غياب دورات مياه قد يكون سببا في رفض الأطفال الذهاب إلى مدارسهم كما حدث مع سلوى محمد (7 سنوات) عندما كانت مصابة بإسهال ولم تستطع التماسك لتخرج ما في بطنها في ملابسها.
تقول رئيسة قسم الأطفال بمستشفى 48 الدكتورة نورا نور الدين، التي روت القصة أن الطفلة تعرضت للسخرية من قبل زميلاتها ومدرسيها ما جعلها ترفض نهائيا الذهاب الى المدرسة.
وقالت لمنصة “عوافي” بأن هناك فئات من الأطفال أكثر عرضة من غيرهم في عدم السيطرة على أنفسهم مثل الأطفال الذين يعانون من أمراض السكري لأنهم يعطشون سريعاً ويريدون الذهاب إلى الحمام بشكل متكرر أكثر من غيرهم، غير أن استمرار الاحتباس على المدى الطويل يعرض الأطفال للإصابة بمرض سلس البول والبراز الناتج عن الحبس وهو تسرب الزيادة التي لم يستطع الطفل تحملها.
قد يهمك..التلفونات الذكية والألواح الإلكترونية لا تحب عيون الأطفال
وفي هذا السياق يصف أخصائي الأمراض الباطنية الدكتور عبدالكريم القدسي أضرار حبس البراز بأنها خطيرة للغاية، مبينا بأن البكتيريا تشكل ما يقارب 80 % من البراز وبالتالي فإن فحبس البراز داخل البطن يسبب مشاكل صحية كثيرة أولها إعطاء فرصة لتكاثر للبكتيريا الضارة داخل الأمعاء وتحولها إلى سموم.
ووفقا للدكتور القدسي يؤدي الإمساك الإجباري المزمن إلى تشققات شديدة في المستقيم وفتحة الشرج، مضيفا -في حديثه لمنصة عوافي- بأن بقاء البراز لوقت كبير في الأمعاء ومحاولة حبسه يؤثر أيضاً على المزاج العام فيسبب للتلاميذ قلقا وتوترا عاليا.
ونصح الطلاب ممن لا يجدون حلا بأهمية الإفطار في المنازل والذهاب الى دورات المياه في بيوتهم قبل التوجه الى المدارس، لتخفيف الضرر.
تبول لا إرادي
نبه رئيس قسم المسالك البولية في المستشفى العسكري الدكتور خالد الكحلاني إلى الاعراض الجانبية الناتجة عن حبس البول لساعات سواء للبالغين أو الاطفال، مشيرا إلى أن المخاطر الصحية على الأطفال والمراهقين أشد ضررا.
أكد الكحلاني في تصريح لمنصة عوافي بأن حبس البول يؤدي إلى احتقان المثانة وتكون حصوات، بالإضافة إلى ركود البول في المثانة والتهابات شديدة نتيجة لارتجاع البول على الكليتين وقد يؤدي إلى التبول اللاإرادي (السلس البولي) بعد فترة من التحمل خصوصاً عند الأطفال.
لم تقتصر تأثيرات عملية التبول الارادي على الناحية الصحية بل تمتد الى مشاكل نفسية قد تواجه فئة الأطفال تنمر لفظي ما ينعكس سلبا على نفسياتهم.
ونوه الكحلاني إلى فئات طلبة المدارس خاصة في مراحل الابتدائية، يعانون من أمراض في الجهاز البولي تجعلهم لا يستطيعون أبداً حبس البول، مثل مرض المثانة العصبية، عيب خلقي، التهابات شديدة والتبول اللاإرادي، موضحا بأن من ضروريات العلاج عند هؤلاء التفريغ المنتظم للمثانة.
ويحتاج طلبة المدارس ممن يعانون من هذه الأمراض على وجه الخصوص إلى رعاية خاصة وعدم وجود مياه في حمامات المدارس تفاقم حالتهم المرضية مما يؤدي إلى مضاعفات مرضية منها التهابات حادة في المسالك البولية لا يستطيعون تحمل ألمها وارتفاع في درجة حرارة الجسم التي تتضاعف لتصل حد عدم قدرتهم على الذهاب إلى المدرسة، وفقا للكحلاني.
كما إن عدم توفر دورات مياه نظيفة وصالحة للاستخدام قد تكون سببا في انتقال الكثير من الأمراض المعدية، فبحسب دراسة نفذها الخبير في التثقيف الصحي والاعلام السكاني الدكتور عبد الكريم علي الآنسي، يتسبب غياب النظافة في دورات المياه في انتقال أمراض عديدة مثل البلهارسيا، التيفوئيد، الأميبية، التهاب الكبد الفيروسي.
واضاف في دراسة تحت عنوان الإمراض المرتبطة بافتقار النظافة الشخصية والبيئية وتأثيرها السيئ على صحة التلاميذ، حصلت منصة عوافي على نسخة منها، بان غياب النظافة في دورات المياه تجعلها بيئة خصبة للعدوى الفيروسية والبكتيرية وطفيلية، وقد تكون سببا في انتشار أمراض كثيرة مثل الكوليرا والاسكارس، الدبوسيات “ديدان معوية” والتسمم الغذائي.
مخاطر نفسية وحلول ممكنة
لا تقتصر مخاطر عدم توفر دورات مياه صالحة للاستخدام على الأضرار الصحية التي تلحق بالمسالك البولية والجهاز الهضمي، ثمة مخاطر تنال من نفسية الطفل وشخصيته، فبحسب رئيسة الوحدة النفسية في مستشفى الرسالة الأخصائية منيرة النمر أن أبرز التأثيرات النفسية لهذه الظاهرة هي شعور الطفل بـ “القلق، التوتر والخوف”.
وأوضحت لمنصة “عوافي” أن بعض الأطفال يضطر للذهاب إلى دورات المياه قبل خروجه من منزله أكثر من مرة خوفا من عدم قدرته على التحمل في حال احتاج إلى دورات المياه أثناء الدوام، وتجنب لتعرضه لموقف محرج أمام زملائه، مبينة بأن الطفل قد يلجأ إلى العزلة أو رفض الذهاب الى المدرسة.
حاولت منصة عوافي الحديث مع عدد من مدراء المدارس الحكومية لمعرفة أسباب عدم الاهتمام بنظافة دورات المياه والتي تشكل بؤرة لنقل الامراض المعدية، لكنهم رفضوا خوفا من إجراءات قانونية تتخذ بحقهم.
بيد ان عدد من معلمي المدارس، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، ألقوا باللائمة على وزارة التربية والتعليم التي لم تضع ضمن ميزانياتها المالية أولوية لتوفير المياه وصيانة دورات المياه في المدارس.
.اخترنا لك..عبارات المعلم تحدد مستقبل الطلاب