6 دقائق للقراءة 1147 كلمة
خسر الأربعيني ثابت الهمام ابنته سهام في الشهر الماضي، بعد أن تعرضت لمضاعفات الحصبة في مدينة يريم محافظة إب “وسط اليمن”.
عوافي/محمد غبسي
سهام التي كانت قد أوشكت على إكمال عامها الرابع، لم يكتب لها القدر بأن تحتفل بعيد ميلادها مع والديها وشقيقتيها، كانت على موعد مع الموت الذي سبق كل محاولات الأسرة لإنقاذها.
يقول ثابت في تصريح خاص لمنصة “ذمار اونلاين”، عندما أراجع أسباب وفاة ابنتي لا أجد إلا سبباً واحداً وهو عدم أخذها للمركز واعطائها اللقاح الخاص بالحصبة، مشاغل العمل واضطراري للسفر باستمرار أجبرتني على تأجيل أخذها للمركز، وكنت أظن بأن لدي وقت لذلك، لكني كنت مخطئاً بكل حساباتي”.
قد يهمك .. هل اللقاحات آمنة على أطفالنا؟
الهمام لديه ابنتين أخذتا اللقاحات من خلال الحملات التي كانت تصل بآلية “من منزل إلى منزل”، أما سهام ونتيجة لتوقف حملات التحصين الموسعة فقد فاتها قطار الوقاية من المرض الذي يراعي ظروف الأسرة أي كانت.
هذه واحدة من المآسي التي حدثت لأسرة تسكن في المدينة “على بعد عشرات الأمتار من المركز الصحي”، ومع ذلك فإن الكثير من الأسر اليمنية يسكن أغلبها الريف باتت تخوض مواجهة غير متكافئة مع أمراض الطفولة بسبب توقف حملات التحصين الموسعة التي كانت تنفذ أكثر من مرة خلال العام، في ظل عجز الأسر عن السفر الى المراكز الصحية التي توفر اللقاحات الروتينية والتي هي بعيدة عن القرى المتناثرة بين الجبال والسهول والوديان.
لقد أدت الإشاعات التي انتشرت مؤخراً ضد اللقاحات إلى توقف حملات التطعيم في المحافظات الشمالية، الأمر الذي تسبب بعودة الكثير من الأمراض التي تشكل خطر على الأطفال مثل “الحصبة وشلل الأطفال والدفتيريا” وغيرها، وهو ما حدث في عدة مناطق من محافظة حجة خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث استقبل مستشفى “المحابشة” حتى مطلع مارس الماضي 129 حالة إصابة بالحصبة، توفي منها 9 حالات.
توقف حملات التحصين يعني حرمان ملايين الأطفال من حقهم في الوقاية من عدة أمراض خطيرة تهدد حياتهم، وأهمها “السل، فيروس التهاب الكبد B، شلل الأطفال، الدفتريا (الخناق)، الكزاز، السعال الديكي، الحصبة، المكورات الرئوية، الإسهالات “بروتافيروس”، النزلة الترفية من النوع باء.
ويرى أستاذ طب المجتمع في جامعة حضرموت الدكتور عبدالله سالم بن غوث، أن الأطفال غير المطعمين بمثابة قنبلة موقوتة لتفشي الأوبئة وما حدوث الأوبئة في المدن إلا أحد مؤشراته.
وأضاف بن غوث في مقال نشر نهاية يناير الماضي حذر فيه من عودة تفشي الأوبئة في اليمن، “تردد الآباء والأمهات أو معارضتهم لتطعيم أطفالهم بأي لقاح لأسباب دينية، أو ثقافية اجتماعية أو إعلامية أو بمبررات غير علمية واهية لن يزيد من نسبة التغطية في الحملات أو التطعيم الروتيني حتى لو كانت الخدمات الصحية بالقرب من مساكنهم والإعلام الصحي يصل إلى مسامعهم”.
ووفقا للبرنامج الوطني للتحصين في صنعاء، فإن نسبة تغطية اللقاحات الروتينية لا تتعدى الثلاثين بالمائة، وهي نسبة تؤكد الحاجة الدائمة إلى تنفيذ حملات تحصين موسعة بما يضمن رفع نسبة التغطية إلى الحد المطلوب وهو 90%،.
ورداً على الشائعات التي ساهمت في توقف حملات التحصين الموسعة تقول الدكتورة غادة الهبوب مدير عام البرنامج الوطني للتحصين بوزارة الصحة بصنعاء “اللقاحات ليست سلعة تجارية ولا تصل عبر التجار أو المهربين، فالحكومة اليمنية هي التي تقوم بشرائها عبر منظمة اليونيسف من مصانع تنتجها وفق المعايير الدولية وحاصلة على شهادات من منظمة الصحة العالمية ويتم مراقبتها من وقت خروجها من المصنع حتى وصولها الى مخازن التحصين التابعة للوزارة وهناك تخضع للرقابة لمدة شهر كامل بأجهزة خاصة لضمان بقاءها في درجة الحرارة المطلوبة.
وأوضحت الهبوب بأن اللقاحات الخاصة بالأطفال يتم توزيعها الى جميع المحافظات بواسطة شاحنات مزودة بثلاجات خاصة لحفظها، وبالتالي فمن غير المبرر أن يقلق المواطن بشأن سلامة اللقاحات وعليه أن يسارع لتطعيم أطفاله سواء باللقاحات الروتينية عبر المراكز الصحية التي توفرها على مدار العام أو من خلال حملات التحصين الموسعة التي تصل إلى كافة المدن والقرى والأحياء.
في الـ 19 من مارس الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية بشكل رسمي أن اليمن يشهد تفشيا للحصبة وشلل الأطفال”، وأوضحت بأن من 80٪ من الأطفال الذين يعانون من الحصبة لم يتلقوا اللقاح، فيما أكد مكتب الأمم المتحدة للشؤون الانسانية في اليمن منتصف ابريل الحالي أن المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال لم تستطع الوصول من منزل إلى منزل في المحافظات الشمالية منذ تأكيد تفشي فيروس شلل الأطفال المشتق من لقاح النمط 2 في نوفمبر 2021.
كما أرجع المكتب الأممي سبب تفشي شلل الأطفال في اليمن إلى توقف حملات التحصين، وأن عدد الحالات التي سجلت في المحافظات الشمالية شكلت 86% من جميع الحالات التي سجلت في اليمن أي “197 حالة من إجمالي 228 حالة”.
وسجلت اليمن منذ بداية العام الحالي 9418 إصابة بمرض الحصبة، منها 77 حالة وفاة، ووفقاً لتقرير مكتب الشؤون الإنسانية الذي أشار إلى أن حالات الإصابة بشلل الأطفال والدفتيريا والسعال الديكي آخذة في الارتفاع، ترافقها زيادة بعدد الوفيات الناجمة عن كل مرض.
وصلت إصابات الدفتيريا في المناطق التابعة لحكومة عدن منذ 2020 وحتى مطلع 2023 إلى 1326 حالة.. منها 128 حالة وفاة، وفي اليمن بشكل عام ارتفعت الإصابات بالدفتيريا بمتوسط ألفي مصاب في العام وفقا لوزارة الصحة بصنعاء.
ووفقا لليونيسف فإن اليمن هي الأكثر تأثرا في منطقة الشرق الأوسط بعدم أخذ الأطفال للقاحات الروتينية، تليها سوريا والعراق، مرجعة السبب إلى تراجع الثقة لدى المواطنين التي أدت إلى ازدياد عدد الأطفال غير الملقحين. إضافة الى تأثر الثلاثة البلدان بالأزمات والنزاعات والحروب التي تؤثر على قدرة الأشخاص على الوصول إلى الخدمات الصحية.
إقرأ أيضاً.. انتشار كوفيد_19 مستمر في المدن اليمنية
ويواجه اليمن حاليا مرض شلل الأطفال ، ضمن 4 فاشيات للأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات، وفقا لمنظمة الصحة العالمية التي قالت أن اليمن كان قد تمكن من تحقيق العديد من الإنجازات الصحية الهامة، وكان من أهمها القضاء على شلل الأطفال البري من النمط الأول في العام 2006، غير أن عودة المرض في عام 2020 أدى إلى تصنيف اليمن ضمن 35 دولة تواجه حالياً مرض شلل.
وبدأت قضية تطعيم الأطفال تتشكل كرأي عام في اليمن منذ مطلع العام الحالي، وقد تمت مناقشتها خلال اسبوعين في مجلس النواب بصنعاء الذي ألزم مطلع فبراير الماضي وزارة الصحة باعتماد ميزانية عاجلة لتدشين حملة واسعة للتحصين تشمل جميع المديريات والمحافظات، وضمان استمرار تقديم خدمات التحصين بما يحقق النتائج الفضلى لصحة الأطفال ومنع انتشار الأوبئة.
أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن و نشرت بالتتابع مع موقع “ذمار أونلاين”