6 دقائق للقراءة 1003 كلمة
عوافي: محمد العزيزي
بعينين مغمضتين وصوت عذب يردد مختار ناشر -12 عاما- أناشيد دينية ووطنية وهو يرفع رأسه إلى سماء قريته الصافية في منطقة القفر وسط اليمن، متذكرا سنوات الدراسة في العاصمة صنعا.. فقد اضطر والده للعودة به إلى القرية بعد أن فقد راتبه وعجز عن توفير احتياجات مدرسته الخاصة بالمكفوفين.
كان الطفل ناشر يحمل في يده مذياعا قديما عندما قال لـ (عوافي)، بأنه لا يهتم لتغير مكان إقامته.. لكنه حزين لعدم قدرته على مواصلة تعليمه ليصبح في المستقبل مقدم برامج في الإذاعة، “يضحك بخجل” ثم يواصل حديثه “الإذاعة ما تحتاج عيون.. تحتاج صوت وآذان”.
ناشر كان واحدا من بين 1288 طالبا وطالبة يتلقون تعليمهم في تسع مدارس ومراكز متخصصة بتعليم المكفوفين في العاصمة صنعاء بحسب إحصائيات صادرة عن وزارة التربية والتعليم بصنعاء العام الماضي، وهناك قرابة نصف مليون يمني مصابون بالعمى لأسباب متعددة.. بحسب دراسة شبه رسمية، أعدها مجموعة من الأطباء والاستشاريين على مدى سنة كاملة في كل من محافظة عمران، محافظة صنعاء وأمانة العاصمة، أواخر العام الماضي.
الدراسة التي أفادت بأن ما يقارب مليون مواطن يعانون من فقدان حاسة البصر بنسب متفاوتة.. توقعت ارتفاع عدد من سيفقدون حاسة البصر بشكل تام نتيجة تعرضهم لأمراض عدة منها مرض السكري والمياه البيضاء والزرقاء.. وأمراض أخرى تؤدي إلى إعطاب العصب البصري وعدم قدرة المريض على الإبصار في ظل غياب الرعاية الطبية المناسبة.
ويعرف مدير البرنامج الوطني لمكافحة العمى سابقا الأستاذ الدكتور توفيق الخطيبِ الإعاقة البصرية بأنها حالة من الضعف أو العجز في حاسة البصر (العين) بحيث تحد من قدرة الإنسان على استخدام هذه الحاسة بفعالية وكفاية واقتدار.. مستدركا “لكن هذا التعريف لا يفرق بين الكفيف والمعاق بصرياً بشكل جزئي، إذ أن هناك فرقاً كبيراً بينهما. فالكفيف هو الشخص الفاقد لحاسة الإبصار أو الذي ليس لديه قدر كاف من حاسة الإبصار يمكن استخدامه.
وأوضح بأن حدة الإبصار لدى الكفيف تبلغ 6/60 أو أقل في العين الأقوى بعد اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة أو لديه المجال أو المحيط البصري محدود لا يتجاوز 20 درجة.
قد يهمك..أدوية الاضطرابات النفسية في اليمن.. الكلفة الباهضة
بينما المعاق بصرياً بشكل جزئي فيعرف بأنه الشخص الذي لديه إعاقة بصرية جزئية إي أن مازال لدية باقية من حاسة الإبصار يمكن استخدامها أو تأهيلها بوسائل تختلف عن الوسائل التقليدية المعروفة.. وتبلغ حدة الإبصار لديه أفضل من 6/60 ولكن اقل من 6/18 في العين الأقوى بعد إجراء التصحيح اللازم، حد تعريفه.
وفي حديثه لـ منصة (عوافي)، أفاد الدكتور الخطيب بأن الأسباب الرئيسية للإصابة بالعمى في اليمن تعود إلى “إصابة العين بالمياه البيضاء، تعتم القرنية، المياه الزرقاء، انكسار الإبصار، اعتلال شبكية العين بسبب مرض السكري والرمد الحبيبي المعروف علميا بـ (التراخوما)”، مؤكدا أن فقدان النظر يؤثر سلبا على تنمية قدرات المريض وإدراكه لما يدور حوله.
وقد يتعرض المريض لفقدان حاسة البصر نتيجة الإهمال وعدم الحصول على الرعاية الطبية اللازمة في الوقت المناسب، وبحسب الخطيب.. فإن أمراضا مثل “الماء الأبيض، التهابات القرنية، أمراض الشبكية” قد تؤدي إلى فقدان حاسة البصر بينما يمكن تجاوزها في حال حصل المريض على الرعاية الطيبة المناسبة مبكرا.
وتختلف أساليب العلاج من شخص إلى آخر بحسب نوع المرض ومستوى قدرات العين، فبينما هناك أمراض يمكن معالجتها إما باستخدام الأدوية أو التدخل جراحيا.. هناك حالات لا يمكن أبداً علاجها طبياً أو جراحياً أو حتى باستخدام النظارات الطبية أو العدسات اللاصقة، وفقا للخطيب.
وأوضح أن هناك الكثير من المساعدات البصرية لذوي الإعاقة البصرية الجزئية تسمى المعينات البصرية الخاصة.. مثل المكبرات البصرية المعروفة مثل Magnifiers وغيرها من الأجهزة الإلكترونية المتقدمة جداً، ويعتمد اختيار الطريقة بحسب تقدير الطبيب المعالج، منوها بافتقار اليمن للأطباء المتخصصين في مجال طب العيون.
اخترنا لك..أعباء نفسية جديدة تتحملها المرأة اليمنية
ورغم أن إحصائيات غير رسمية تفيد بأن عدد المكفوفين في اليمن قد يصل إلى ما يقارب نصف مليون مواطن، بينما يقترب عدد من يعانون ضعفا في الإبصار من المليون مريض حتى أواخر العام الماضي 2020 م.. إلا أن مسؤول العلاقات بالجمعية اليمنية لرعاية وتأهيل المكفوفين جمال مهيوب يؤكد لـ(عوافي)، أن اليمن يفتقر لإحصائية دقيقة لمعرفة عدد المصابين بالعمى.
ويتزايد عدد فاقدي النظر -بشكل كامل وجزئي- باستمرار، إذ تشير إحصائيات قديمة تمتلكها الجمعية إلى ارتفاع عددهم إلى 750 ألف مريض عام 2014.. بينما كان عددهم 600 ألف في عام 2005 أي أن نسبة الزيادة خلال تسعة أعوام بلغت 25%، مشيرة إلى أن ما يقارب 51% من النساء.
يتفق الخطيب ومهيوب بأن لا إحصائيات رسمية بعدد المعاقين بصريا وبأن أعداد المصابين بالعمى قد تتجاوز تلك الأرقام بشكل كبير جدا.. ويتذمر الثاني من تجاهل وغياب اهتمام المنظمات الدولية والمحلية بهذه الفئة التي تعتمد أنشطتها والعناية بها على ما تحصل عليه من الجهات الرسمية فقط.
غياب الإحصائيات الحقيقية دفعت مراكز طبية وأطباء إلى الإعداد لتنفيذ مسح ميداني في محافظات “صنعاء، لحج، وعمران” بهدف توفير قاعدة معلومات سكانية حول مشكلة العمى في اليمن والأسباب المؤدية إلى العمى وضعف الإبصار.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد المعاقين بصريا في العالمً بلغ مائة وثمانين مليون شخص منهم ” 40 إلى 45 ” مليون شخص كفيف كان بالإمكان منع أو علاج 80٪ من هذه الحالات وبالتالي الحد من هذا الرقم الفلكي.
اخترنا لك..“البونص” يتلاعب بأسعار الأدوية وصحة المواطن، وحلول “الصحة ” مكانك سر