المهق في اليمن.. وصمة مجتمعية تؤثر على نفسية المريض

المهق في اليمن.. وصمة مجتمعية تؤثر على نفسية المريض
‏  5 دقائق للقراءة        853    كلمة

خرج خالد صالح “18 عاما” وحيدا من بوابة مدرسته بمنطقة مذبح شمال غرب أمانة العاصمة، ممسكاً برقم جلوسه الخاص بدخول امتحانات الثانوية العامة بثقة ورغم تفوقه في تحصيله العلمي منذ بدء المرحلة الأساسية إلا انهغ لا يمتلك أصدقاء .

عوافي/عبدالملك الجرموزي

يقول لمنصة عوافي “ليس لدي أصحاب، والكثير يسخرون من شكلي باستمرار، داخل المدرسة وفي الشارع وفي كل مكان”.

رفض خالد بطريقة مهذبة التقاط صور فوتوغرافية له وفضل عدم ذكر اسمه كاملاً، معتذرا عن استكمال الحديث الصحفي، ويراهن بأن تفوقه الدراسي، سيجعل منه شخصا يحظى بالكثير من الاهتمام، وسيحقق له وظيفة تليق به، وتجعله محل تقدير من الجميع دون الالتفات إلى لونه ومرضه النادر.

حتى صورهم نادرة

لم يحدث أن نشر أحد المصورين اليمنيين الكبار صوراً لأطفال أو أشخاص مصابين بمرض المهق.

لا يبدو الأمر متعمداً، فمرضى المهق في مجتمعنا اليمني يرفضون السماح للمصورين ووسائل الإعلام التقاط صور لهم أياً كانت، لأنهم يعتبرون ذلك محاولة للتشهير بهم، كما أن لديهم مخاوف شديدة من تعرضهم للتنمر.

قابلت منصة “عوافي” عدداً من الاشخاص المصابين بالمهق وحاولت إقناعهم بالحديث عمَّا يتعرضون له من معاملة غير سليمة سواء في الشارع أو المدرسة أو مقر العمل لكن الجميع اعتذر عن الحديث، فبحسب أخصائيين يخاف مريض المهق من أن يتعرض للتنمر، لأن ذلك ما يواجهونه في مجتمعاتنا، بنسب متفاوتة.

قد يهمك..“الصحة قول وعمل” فعالية تنظمها الصحة العالمية في القاهرة

ربما لم يتنبه المصورون إلى فكرة التقاط صور جمالية لمرضى المهق، وقد سألنا المصور الأربعيني أنيس أحمد، هل فكرت كمصور محترف، بالتقاط صور لأشخاص مصابين بمرض المهق، بهدف التوعية، فقال إنه لم يفكر في ذلك، رغم أنه قبل سنوات الحرب التي اندلعت نهاية مارس/ آذار 2015، كان حريصاً على التقاط صور معبرة عن فقراء، وجرحى الحرب، ومبتوري الأطراف.

وأضاف “ليس لدينا أي فكرة حول الأمراض المعدية، حتى الأمراض المعدية النفسية والعصبية كي نتمكن من عمل تقارير مصورة عنها”.

لكن أنيس أحمد -وهو مصور محترف عمل لرويترز وعدد من الصحف اليمنية الكبيرة- استدرك قائلاً “كنت فكرت قبل مدة بعمل تقرير مصور عن مرضى الصرع، لكني لم ألقَ تجاوباً فالمرضى يرفضون تصويرهم، خوفاً من تنمر المجتمع والسخرية منهم”.

والمهق حالة نادرة الحدوث وغير معدية، وفي جميع أشكالها تقريباً لا بد أن يكون كلا الوالدين حاملاً للجين لكي ينتقل المهق إلى الأبناء، حتى وإن لم تظهر علامات المهق على الوالدين، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

نسبة ضئيلة جداً

في اليمن، كما بقية بلدان العالم، هناك أشخاص لم يمنعهم “المهق” من المضي قدماً في حياتهم، والوصول إلى النجومية سواء كانت سياسية أم فنية.. إنه الجانب المضيء بالنسبة لهؤلاء.

ولا توجد إحصائيات رسمية عن عدد المصابين بمرض المهق في اليمن، لكن أخصائي الأمراض الجلدية والتناسلية في مستشفى الكويت بالعاصمة صنعاء، الدكتور محمد حسين الجحدري، أكد لـ” عوافي” أن نسبة المصابين ضئيلة جداً، وتكاد لا تذكر “أي بنسبة واحد في المائة ألف”.

ويقول الدكتور الجحدري، “إن إدماج المريض في الوظائف وبالتالي انشغاله بالعمل قد يسهم ويساعد المريض في تجاهل مرضه”.

وتابع “فالاحتواء أو الدمج في العمل قد يساهم بنسبة كبيرة في العلاج من النواحي النفسية، كما أن عملية اندماج المرضى في السلك الوظيفي يسهم بدرجة كبيرة في رفع معنوياتهم لأن ذلك يعطيهم الأمل ويكسبهم الثقة بأنفسهم وبأنهم أشخاص طبيعيون قادرون على القيام بأعمال مختلفة مثل عامة الناس”.

لقد عجز العلماء عن إيجاد علاج لمرض المهق.. إنه شيء مثير للاستغراب، لكنه لا يعني إطلاقاً استسلام مرضى المهق، ففرصهم في الحياة كثيرة، وبالإمكان تجاوز كل المعيقات الحياتية والمجتمعية والعلمية والعملية بالمزيد من التوعية والإرادة.

 اقرأ أيضاً..الوصمة تضاعف عدد مرضى الاضطرابات وتغلق تخصصات الصحة النفسية في اليمن

فكرة لامعة

في نهاية سبتمبر 2015، لمعت فكرة جميلة في ذهن المصورة العالمية، أنجيلينا أوغست، عن تصوير الجوانب الجمالية عند مرضى المهق، وفي منتصف أكتوبر من ذات العام، قامت أوغست بإعداد سلسلة من الصور الجميلة والمميزة لأشخاص يعانون من “البرص، المهق” مسلطة الضوء على ملامحهم الجمالية التي يتمتعون بها.

قالت أوغست في تصريحات إعلامية، آنذاك، إنها أرادت أن تثبت للمجتمع أن”هؤلاء الأشخاص لهم جمال خاص”.

ومن خلال تجربتها في التعامل مع المصابين بالمهق، اكتشفت أنجيلينا أن معظم الناس لم يتعاملوا من قبل مع مصابين بالمهق، وهذا يجعل المصابين معزولين بعض الشيء عن المجتمع.

بدأت أنجيلينا مشروعها الإنساني، عندما صورت إحدى الأشخاص، لكن وفي كل مرة، كان المصابون يقترحون عليها أن تصور أحداً من معارفهم المصابين بالمهق، وكان أربعة من الأشخاص الموجودين في سلسلة الصور أقرباء، وفي بعض الحالات أباء وأبناء.

وضم المشروع صوراً لأشخاص من أعمار مختلفة وأجناس وأعراق عديدة، وتحدث بعض منهم عن التحديات التي يواجهونها كل يوم، بسبب نظرة الآخرين لهم، بالإضافة الى ضعف الرؤية الذي يسبب لهم صعوبة في حياتهم اليومية، اذ لا يستطيعون قيادة السيارة وبالتالي يلجؤون الى وسائل النقل

لقد كسرت أنجيلينا عزلة الأشخاص المصابين بالمهق حين أظهرت جمالهم الاستثنائي بصور تناقلتها مختلف الوسائل الإعلامية محتفية بها.