5 دقائق للقراءة 906 كلمة
عوافي/ عبدالملك الجرموزي
أمام بوابة مدرسة قريبة من منزل عائلته في مذبح مديرية معين بصنعاء، يحرص سليم شاهر (19عاما) على التواجد هناك بانتظار أخيه الذي يصغره بخمسة أعوام، حيث يستمتع بمشاهدة الطلبة أثناء خروجهم من المدرسة، ولعله يحاول خلال ذلك الوقت المستقطع يوميا التعبير عن مدى شغفه بالتعليم والحياة.
يقول والد سليم، لـ منصة عوافي بأن ولده يعاني من صعوبة في الكلام ناتج عن ضمور في المخ، وكان قد التحق بمركز البسمة للتربية الخاصة في صنعاء، ودرس هناك حتى الصف الرابع المنهج نفسه لوزارة التربية والتعليم دون وجود منهج خاص لذوي الإعاقة الذهنية، لكنه لم يكمل مسيرة تعليمه التي كانت قد اثمرت تحسناً ملحوظاً في طريقة تعامل وفهم سليم مع من حوله.
انقطع سليم عن الدراسة، في الصف الرابع، كان ذلك قبل 9 أعوام، ولم يعد إليه حتى الآن، وذلك “لانقطاع الدعم وعدم وجود مراكز قريبة وعدم وجود فائدة ملموسة تستحق المثابرة“، بحسب والد سليم.
ذكاء متقد
في حين يتشبث ذوو الهمم بالتعليم كطوق نجاة من مصير غير ذاك الذي يجتهدون من أجله، تخذلهم ظروف قاهرة، لكن الإيمان بقدرتهم على تحقيق ذواتهم من خلال التعليم لا يكفي بدون دعم حقيقي ليسهل عليهم العملية التعليمية ويجعلها ممكنة.
يُبدي الطفل محمد عبدالوهاب (11) عاما، والذي يعاني من ضمور في الأطراف، وفق ما صرح به والده لـ منصة عوافي، رغبة كبيرة بالتعلم، ويتمتع بذكاء لافت حد أنه يتفوق على شقيقه اللذين يصغرانه بعام وعامين.
رغم ذلك، إلا أن الظروف الصعبة لوالد محمد، الموظف حكومي، بسبب انقطاع راتبه منذ نحو سبع سنوات، لم تُمكنه من الحصول على تعليم جيد شأنه بقية الأطفال من أصحاب الهمم، لذلك يقتصر تعليمه داخل المنزل على يد والده.
قد يهمك .. كيف تحافظ المرأة على نظافة المناطق الحساسة في جسمها ومخاطر العادات الدارجة
حين وصل محمد لسن السابعة، وهو العمر المناسب لدخول المدرسة، كانت الحرب قد دخلت عامها الثالث وألحقت أضراراً جسيمة بمختلف قطاعات البلد الصحية والتعليمية والاقتصادية وتسببت بتوقف مرتبات الموظفين الحكوميين،
لذا لم يكن بمقدور والد محمد إلحاقه بمدرسة أو مركز تعليمي خاص بذوي الهمم، ويا لها من خيبة أمل فعلت بهذا الصغير ما لم تفعله الإعاقة.
حرمان من التعليم
تسببت الحرب بإحباط شديد لذوي الإعاقات، بفعل العوائق التي وضعتها أمامهم حارمة شريحة واسعة منهم من الاستمرار في التعليم، إذ توقفت الكثير من التسهيلات التي كانت متاحة لهم كالمباني والمواد التعليمية الخاصة بهم ووسائل النقل، توقفت المراكز التعليمية المتخصصة، وكذا المخصصات المالية وإيرادات أنشطة الصندوق الاجتماعي للتنمية وصندوق دعم المعوقين لعدم توفير السيولة المالية اللازمة لدعم تعليم ذوي الإعاقة.
كما اضطرت كثير من الأسر إيقاف تعليم أبنائها “المعاقين“ بعد أن تصاعدت نسب الفقر وانشغلت تلك الأسر بخوض معركة حياتية مرهقة من أجل توفير احتياجاتها الضرورية كالغذاء والماء والدواء.
الحرب لم تتسبب فقط بمفاقمة أوضاع “المعاقين“، بل زادت من أعدادهم، وفقاً لتقدير منظمة الصحة العالمية عام 2019، التي ذكرت بأن نسبة ذوي الإعاقة في اليمن تصل إلى 15% من إجمالي السكان، ما يعني أن عددهم يبلغ نحو أربعة ملايين ونصف المليون. ويمكن بطبيعة الحال توقع أن عددهم أكثر من ذلك، بالنظر إلى أن الحرب لا تزال مستمرة.
وتقول تقديرات سابقة للمسح الوطني الصحي الديموغرافي في العام 2013، أن نسبة ذوي الإعاقة بلغت في ذلك الحين 3.2% من إجمالي عدد السكان.
فيما بلغ عدد المسجّلين منهم لدى “صندوق رعاية وتأهيل المعاقين“، منذ تأسيسه عام 2002 وحتى العام الماضي يبلغون فقط 101,386 شخصاً، بينهم 37 ألفاً و162 طفلاً (59% منهم من الذكور)، فيما يبلغ عدد المسجلين البالغين 64 ألفاً و224 شخصاً (67% منهم من الذكور)، وتتوزع أنواع إعاقات المسجَّلين بين الإعاقة الحركية، العمى، الصمم والبكم، الإعاقة العقلية، والإعاقات المزدوجة.
حضور غير فاعل
كانت منظمة اليونيسف قد قالت في خارطة المساعدات المتاحة للأطفال ذوي الهمم في اليمن ودور وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تجاه هذه الشريحة التي نشرتها في ديسمبر 2020، إن نتائج دراسة حديثة أجرتها “منظمة الإعاقة الدولية“ أظهرت أن 85% من المنظمات الدولية في اليمن لم تنفّذ أو تموّل أي أنشطة موجهة لذوي الإعاقة.
وكشفت نتائج الدراسة أن 95% من المنظمات الدولية في اليمن لا تجمع بيانات مصنّفة بحسب الإعاقة، مؤكدةً أن “73% من المنظمات الدولية في اليمن ذكرت أن موظفيها يفتقرون إلى المعرفة والمهارات المطلوبة لتقديم الخدمات الإنسانية الحساسة لذوي الإعاقة“.
وأوضحت اليونيسف أن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الفاعلة تقوم بدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعاتهم المستهدفة، لكن مستوى التخصص في مخاطبتهم يختلف من جهة إلى أخرى، وفقاً لسياساتها ومهامها وتفويضاتها، مشيرةً إلى أن “منظمة الإعاقة الدولية فقط تستهدف الأطفال من ذوي الإعاقة بمشاريع وبرامج مخصصة لهم“.
وتعمل عدد من وكالات المنظمات ووكالات الأمم المتحدة في مجال ذوي الهمم في اليمن، أبرزها اليونيسف، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، المنظمة الدولية للإعاقة، صندوق الأمم المتحدة للسكان، منظمة حماية الطفولة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
اخترنا لك .. كيف تحافظ المرأة على نظافة المناطق الحساسة في جسمها ومخاطر العادات الدارجة