مرضى الصرع.. عواصف في الرأس وندوب في القلب

‏  5 دقائق للقراءة        865    كلمة

يعاني الأربعيني “حمود هزاع” من نوبات صرع منذ نحو 15 سنة، وفي كل مرة تداهمه نوبة صرع يخرج منها مدمراً نفسياً، ويبدو أن معاناته وراثية فوالده السبعيني، عانى أيضاً، ولا يزال، من نفس المرض وقد تعايش معه على مضض.

عوافي/عبدالملك الجرموزي

بحسب حديث هزاع لمنصة “عوافي”، يبدأ الأمر كما لو أن عاصفة كهربائية تدور في رأسه، ثم تبدأ أصابع يده بالارتعاش ليمتد عبر ذراعه إلى منطقة العنق ومنه إلى باقي جسده، موضحاً “وحينها يصاب جسدي بأكمله بالتشنج ولا أستطيع السيطرة عليه مطلقاً، وأخيراً أسقط على الأرض وأفقد وعيي تماماً ويسبب لي بعض الجروح” .

يؤكد هزاع انتظامه في تناول العقاقير المعالجة للصرع، لكنه لا يشعر بأي تحسن في حالته الصحية، بل أصبح يشعر بأن الدواء يؤثر على ذاكرته وتركيزه، كما أنه يجهل طبيعة هذا المرض وكيفية التعامل معه.

ورغم ما يسببه له مرض الصرع من إحراج بين عائلته وأوساط مجتمعه ومكان عمله، إلا أن هزاع يحاول العيش بصورة طبيعية فهو ناجح في عمله بمجال الحسابات لدى إحدى مؤسسات القطاع الخاص في صنعاء، ولديه أسرة صغيرة مكونة من زوجة وثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين الـ14 – 20 عاما.

تعريفات عديدة

يوضح أخصائي جراحة المخ والأعصاب، الدكتور أحمد صالح الجرادي،  أن للصرع عدة تعريفات أبسطها هو حدوث نوبتين أو أكثر من نوبات وهي زيادة غير طبيعية بالنشاط الكهربي للدماغ يؤدي لاضطراب بالوعي أو الحركة أو الإحساس من دون وجود أي مؤثر.

ويقول الجرادي لـ”عوافي” إن النوبات قد تكون إما شاملة بحيث يحدث فقدان مؤقت للوعي مع أو بدون حركة غير طبيعية أو تصلب بالأطراف، وبهذا النوع عادة لا تكون هناك أي مؤشرات قبل حدوث النوبة وقد يبقى المريض نائما لعدة ساعات بعد النوبة” وفي هذه الحالة لا يكون المريض مدركا لما حدث له عندما يستيقظ.

وهناك نوبات موضعية، وهذه الحالات قد تبدأ النوبة إما بحركة لا إرادية بأحد الأطراف أو إحساس غير طبيعي مثل هلاوس بصرية أو شمية، وفقا للجرادي، موضحا أنها قد تتطور ببعض الحالات وتتحول إلى نوبة عامة مع أو بدون فقدان الوعي.

معايير التشخيص

يلفت الدكتور الجرادي، إلى أن “لتشخيص المريض بأنه مصاب بالصرع يجب أن تظهر عليه أعراض الإصابة، منها تكرر حدوث النوبات، عدم وجود أي مسبب للنوبة مثل بعض الأدوية، هبوط بسكر الدم، التسمم الحملي وغيرها”.

ويتابع “وفي حالة وجود هذه المعايير والتأكد منها فيجب البدء بأخذ علاج الشحنات بغض النظر عن نتائج الفحوصات أو الأشعة”.

ويوصي المرضى بأهمية إجراء الفحوصات الطبية والأشعة ، ” لأن الهدف الأساسي منها ليس التشخيص فقط، لأن التاريخ المرضي وطبيعة الأعراض كافية للتشخيص، ولكن الهدف هو البحث عن أسباب حدوث النوبة سواء كانت عضوية أو وظيفية، وأيضا من خلال معرفة نوع النوبات يتم تحديد العلاج الأنسب”.

مسببات النوبات

أما عن فائدة معرفة سبب النوبات، فيقول أخصائي جراحة المخ والأعصاب، إن “معظم الحالات قد يظهر الدماغ في الأشعة سليما ولا يوجد أي شيء غير طبيعي، ولكن في بعض الحالات قد يكون هناك مسبب للنوبات مثل وجود ورم دماغي،  تشوه خلقي بشرايين الدماغ، تشوه وريدي دماغي، إصابة قديمة، جسم غريب بالدماغ، التهاب (بكتيري أو فيروسي أو طفيلي)، تشوهات خلقية بالدماغ”.

كما قد تُظهر الفحوصات وجود اضطراب إما بالهرمونات أو أملاح الدم أو وجود مشاكل بالكبد، وفي حالة وجود أحد الأسباب المذكورة يجب علاج السبب للسيطرة على النوبات ولتجنيب المريض أخذ أدوية الصرع مدى الحياة إن أمكن، حد قوله.

أدوية مضادة للصرع

هناك العديد من الأدوية المضادة للصرع، بعض هذه الأدوية تكون فعالة ضد نوع معين من الشحنات دون غيرها، وفقا للدكتور الجرادي الذي بين أن معرفة نوع الشحنات تمكن الطبيب من اختيار علاج مناسب للسيطرة عليها وبأقل جرعة ممكنة لتجنيب المريض الآثار الجانبية للعلاج قدر الإمكان، و”يعتمد اختيار العلاج على نوع النوبات، عمر وجنس المريض، والأمراض المصاحبة”.

 وينصح المرضى بالالتزام التام بالعلاج حسب وصف الطبيب ، كما ينصح عادة بعدم قيادة المركبات أو الذهاب للمرتفعات والأماكن الخطرة خلال فترة ستة أشهر من تاريخ آخر نوبة مع الاستمرار بالعلاج، مضيفاً “يجب الالتزام بالعلاج حيث أن عدم الانتظام قد يؤدي لعودة حدوث النوبات وعدم استجابتها مستقبلا للعلاج”.

ويوصي “في حالة عدم حدوث أي نوبات خلال سنتين ففي بعض الحالات من الممكن البدء بالتوقف التدريجي للعلاج حسب تعليمات الطبيب المعالج، ولكن تبقى هناك احتمالية بسيطة بعودة حدوثها”.

تقديرات عالمية

وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في عام 2019، فإن “نسبة عموم السكان المصابين بالصرع النشيط (أي استمرار النوبات أو الحاجة إلى العلاج) تتراوح ما بين 4 و10 أشخاص لكل 1000 نسمة.

وعلى الصعيد العالمي، تشخَّص إصابة ما يقدر بنحو 2.4 مليون شخص بالصرع سنوياً، وفي البلدان المرتفعة الدخل، تبلغ حالات الإصابة السنوية الجديدة بين 30 و50 حالة لكل 100 ألف نسمة بين عموم السكان، أما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فيصل العدد إلى الضعف، ويستجيب الأشخاص المصابون بالصرع للعلاج في نحو 70% من الحالات.