6 دقائق للقراءة 1029 كلمة
د.عادل سالم
مع انتشار الجائحات وتفشي الكثير من الأمراض المهددة للطفولة خصوصا في البلدان النامية التي لا زالت تعاني من ضعف البنية التحتية وتردي الخدمات الصحية ومحدودية الموارد المتاحة، تبرز الحاجة الإنسانية الملحة لبذل المزيد من الجهود لدعم حملات التحصين التي من شأنها أن تحد بشكل منهجي من مخاطر تفشي الأمراض المهددة للطفولة والحياة.
فمنذ بداية السبعينيات تتكاتف الكثير من مشاريع منظمة الصحة العالمية، و اليونيسف مع العديد من المبادرات والبرامج الأممية للتنسيق من أجل تفعيل الشراكة مع الجهات الخيرية المانحة لخفض تكاليف اللقاحات وتسهيل وصولها لأطفال العالم عبر دعم شرائها من الشركات المتعددة الجنسيات (الخمسة الكبار) المتحكمة ب 80٪ من سوق اللقاحات وهي شركات (GSK ،Merck ، Sanofi-Pasteur ، Pfizer و Novartis) .
قد يهمك..أطفال يمنيون.. ضحايا شائعات اللقاحات
وفي مسار آخر تعمل المنظمات على تشجيع تصنيع اللقاحات في البلدان النامية وتقديمها بأسعار منخفضة و جودة عالية، غير أن تلك الجهود والمبادرات لم تحقق إلا نجاحا محدودا نتيجة سياسة الاحتكار التي تمارس من قبل بعض الشركات وعجز البلدان النامية في الاستمرار باستثمارات طويلة الأمد لتطوير تقنيات جديدة وإجراء التجارب السريرية المكلفة والمستهلكة للوقت لاستكمال عمليات تصنيع اللقاحات الباهظة والتي تستغرق عدة أشهر لاستكمال التجارب السريرية و الدراسات المتعلقة بها بشكل متكامل، على عكس الأدوية العادية والتي يمكن إنتاج الكثير منها خلال أيام معدودة.
وتتطلب عمليات التصنيع توصيفًا وبائيًا دقيقا للسكان، وبنى تحتية سريرية ومختبرية حديثة، والتزامًا حكوميا جاداً، وخبرات عالية، ودراسات ميدانية مستمرة ومرحلية تخضع فيها عمليات تصنيع اللقاحات لعمليات معقدة ودقيقة ومحكمة بضوابط علمية ومخبرية صارمة واختبارات مكثفة لكل لقاح على حدة لضمان مأمونيته قبل إمكانية بدء استخدامه في أي برنامج تطعيمي.
وتأتي هذه العمليات ضمن المراحل التالية:
المرحلة الاستكشافية ما قبل السريرية
في هذه المرحلة يتم إجراء عمليات بحثية وتطويرية تمر بتقييم دقيق ويتم فيه تحديد الأولويات والاحتياجات الحرجة وتحديد الأنظمة والقنوات المساعدة وتحديد وعزل المستضدات الوقائية لمرض معين والذي ينبغي استخدامها لتوليد الاستجابة المناعية لكل لقاح على حدة وتنفَّذ هذه المرحلة قبل السريرية، والذي يتم فيها اختبار اللقاح التجريبي أولاً على الحيوانات المعملية لتقييم مأمونيته وقدرته على الوقاية من المرض.
وإذا ولّد اللقاح الاستجابة المناعية المنشودة، فإنه يُختبر بعد ذلك في إطار تجارب سريرية بشرية على ثلاث مراحل.
التجارب السريرية أو التطوير السريري للقاح
وهي عملية تتم على ثلاث مراحل أيضا، تبدأ المرحلة الأولى عندما يُعطى اللقاح لعدد صغير من المتطوعين من الشباب البالغين والمتمتعين بصحة جيدة لتقييم سلامة اللقاح ومأمونيته وتأكيد توليده للاستجابة المناعية وتحديد الجرعة المناسبة، ويجب أن يتوفر في اللقاحات الجيدة المعايير الأساسية للسلامة والنقاء والفعالية.
في المرحلة الثانية يعطى اللقاح لمئات من المتطوعين في مختلف الفئات العمرية من الذين لديهم خصائص مماثلة لأولئك الذين يستهدفهم اللقاح الجديد لمواصلة تقييم مأمونيته واستجابته.
ويمكن إجراء التجارب على أشخاص تعرضوا للإصابة ويتم ذلك تحت رقابة شديدة لتقييم قدرة اللقاح على منح الحماية ضد التحدي التجريبي.
اما المرحلة الثالثة فتجري عبر تجارب مكلفة تتطلب بنية تحتية متطورة وقدرات بحثية ورقابية ومعملية كبيرة، وقد تستغرق التجارب السريرية عدة سنوات وخصوصا التجارب التي تستهدف الرضع والأطفال الصغار.
في هذه المرحلة يعطى اللقاح لآلاف الأشخاص على نطاق واسع من فئات سكانية مختلفة في عدة دول، وتتم المقارنة مع مجموعة مماثلة تم إعطاؤهم منتج (بلاسيبو) مستخدماً للمقارنة فقط لا يحمل اي خصائص طبية، ويتم إخفاء المعلومات عن المتطوعين والباحثين والعلماء (المعلومات المتعلقة بنوع المنتج الذي تلقاه المتطوعون) عبر ما يسمى بتدبير التعمية وهو تدبير ضروري لضمان عدم تأثر المتطوعين والباحثين والعلماء في تقييماتهم بمعرفة من تلقى اللقاح ومن تلقى المنتج (البلاسيبو) لمعرفة مدى قدرة اللقاح على الوقاية من المرض.
وتكشف هذه المعلومات بعد انتهاء التجربة، وبناء على النتائج يتم حصول اللقاح على الموافقة، وبعد الموافقة على اللقاح، يتم منح اللقاح ترخيص تصنيعه، ويتواصل الإشراف على إنتاجه عبر عمليات التفتيش الدورية والمفاجئة لمرافق الإنتاج، ويلتزم المصنعون خلال الفترة بتقديم نتائج اختبارات اللقاحات الخاصة بالفعالية والأمان والنقاء مرفقة بعينات لكل دفعة لقاح.
وبمجرد إعطاء اللقاح والبدء في استخدامه يتم تتبع الآثار الجانبية ومراقبة البيانات السلبية على مدى فترة زمنية طويلة عبر نظام الإبلاغ عن الآثار الجانبية للقاح لمراقبة سلامة اللقاحات، ولتحسين تأثيرها على وجه أمثل وتسهيل تتبع آثار اللقاح بأمان طوال فترة استخدامه.
وأثناء ذلك يقدم المصنعون طلب ترخيص المنشأة الذي يصف المرافق والمعدات والعاملين في التصنيع ويتم تطبيق معايير ترخيص المؤسسة وممارسات التصنيع الجيد، وتجري عمليات متابعة المشاركين في التجارب السريرية لمدة شهرين على الأقل، وبعد الموافقة والتدقيق يتم الانتقال إلى الإنتاج التجريبي ثم التصنيع على نطاق واسع ويتم تعبئة اللقاح المصنع بعناية في قوارير زجاجية قادرة على تحمل درجات الحرارة القصوى لتخزينها ونقلها بأمان.
اقرأ أيضاً..“السعال الديكي” يعاود انتشاره في اليمن
لكن الكثير من التحدّيات اللوجستية تتركز في عمليات نقل اللقاحات من مراكز إنتاجها إلى المناطق والدول والفئات المستهدفة عن طريق شحن اللقاحات باستخدام معدات متخصصة لا تضر بسلامة المنتج ولها القدرة على استمرارية سلسلة التبريد والوصول باللقاحات محتفظة بجودتها ومأمونيتها إلى المستهدفين.
ويجب نقلها في درجة حرارة تتراوح بين 2° و8° مئوية في صناديق كرتونية من مادة البولي يوريثان، وتوضع في كل صندوق أداة لمراقبة الحرارة ثم يتم تخزينها في غرف تخزين مبرّدة في ثلاجات طبية متخصصة لهذه المنتجات لأن الثلاجات العادية لا تستطيع الحفاظ على درجة حرارة منتظمة وتنقل إلى المستودع المركزي التابع لبرنامج التحصين الموسّع .
ان عمليات تصنيع اللقاحات تمر بالمراحل المذكورة و بشكل دقيق حرصا على سلامة اللقاحات و مأمونيتها حتى وصولها الى المستفيدين و هذا ما يؤكد كذب الشائعات التي تشكك بمأمونية اللقاحات.
أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن و نشرت بالتتابع مع موقع “عدن الغد”