26.5 C
اليمن
Home Featured “السيلياك” مرض خفي يفتك بصحة اليمنيين

“السيلياك” مرض خفي يفتك بصحة اليمنيين

0
“السيلياك” مرض خفي يفتك بصحة اليمنيين
‏  8 دقائق للقراءة        1430    كلمة

عوافي: نجيب علي العصار

حملت الثلاثينية فاتن الحطامي، طفلها على كتفها وظلت تنتقل به من مستشفى إلى آخر بحثا عن علاج لمرض لم تعرف ماهيته على مدى أربعة أعوام.

لقد بدأت أعراض المرض على حسن الحطامي -تسع سنوات- منذ كان في الثالثة من عمره ،وفقا لوالدته، التي أوضحت أنه بدأ يعاني من عدة أعراض مثل آلام متكررة وانتفاخ في البطن، غثيان متواصل، بالإضافة إلى الفتور والإرهاق ونقص الوزن ما جعلها تعتقد أنه مصاب بسوء التغذية.

انخفض صوت الحطامي الأم وهي تقول لمنصة عوافي بنبرة حزن “لقد تحولت فرحتي بإنجاب حسن إلى حزن وألم جراء معاناته المستمرة لسنوات من مرض أجهل أسبابه وأعراضه” ، حتى أخبرها طبيب أطفال في هيئة مستشفى الثورة الحكومي بمدينة الحديدة ،غرب اليمن، بأن ابنها مصاب بمرض يسمى” السيلياك” أو ما يعرف بمرض “الزلاقي”.

حصلت الحطامي على معلومات كافية عن السيلياك الذي يأتي نتيجة تحسس الجسم من مادة الغلوتين الموجودة في القمح والشعير وحبوب أخرى، كما تعرفت على نظام التغذية التي يجب أن تتبعها لتجنب طفلها الإصابة بالأعراض.

لقد أصبح على الأم توفير مواد غذائية معينة تكلفها مبالغ كبيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها اليمن، حدث ذلك منذ عامين تقريبا، وهذا ما لا تقدر عليه دائما، حد قولها، ورغم ما تبذله من جهد لمنعه من تناول الطعام الذي يحتوي على الغلوتين إلا أنه يحصل على بعضه أثناء تناوله وجبات خارج المنزل.

وبينما احتاجت الحطامي ثلاث سنوات لتكتشف حقيقة مرض طفلها؛ ظلت الأربعينية رضية المنتصر ،اسم مستعار، تعاني من أعراض المرض لعقود لتحصل قبل عام ونصف فقط على التشخيص السليم لمرضها.

تقول المنتصر -لمنصة “عوافي”- “ظلت حالتي الصحية المصحوبة بآلام رهينة تكهنات الأطباء، بين من يشخّصها بجرثومة في القولون، وآخر يجزم بأنها نتيجة أمراض مناعية مثل كسل الغدة الدرقية والتهاب المفاصل الروماتويدي (مرض مزمن قد يدمر مجموعة واسعة من أجهزة الجسم)”.

قد يهمك..أطفال ضحية عدم إجبارية فحوصات ما قبل الزواج

تفاقمت حالة المنتصر الصحية بعد الزواج والإنجاب لتصبح هزيلة وتعاني من صعوبة التنفس بالإضافة إلى آلام الجهاز الهضمي وانعكس ذلك على عملها بعد أن أصبحت تقضي معظم وقتها طريحة الفراش، حد وصفها.

 وبحسب المنتصر، أصبحت تتبع نظاما غذائيا دقيقا منذ تشخيص المرض، ورغم أن تكاليف توفير المواد الغذائية الخالية من بروتين الغلوتين باهظة إلا أنها ترى بأن التخلي عن هذه الحمية بمثابة “انتحار” بالنسبة لها.

السيلياك و بروتين الغلوتين

ويعرف السيلياك بأنه مرض مناعي يجعل الجسم غير قادر على تحمل بروتين الغلوتين، الذي يوجد في القمح والشعير والبرغل والشوفان وبعض الحبوب الأخرى، وفقا لأخصائية الأطفال الدكتورة إيمان جسار، وقد ينتقل إلى منتجات خالية منه أثناء النقل أو الطباخة بنفس الأواني في حال لم يتم تنظيفها بشكل جيد.

وبحسب لقاء -أجرته منصة “عوافي” مع الدكتورة جسار- يعمل الغلوتين على تحفيز الاستجابة المناعية في الأمعاء الدقيقة التي تتلف بطانة الأمعاء وتمنعها من امتصاص بعض العناصر المغذية ما يؤدي غالبا الإسهال والتعب وفقدان الوزن والانتفاخ وفقر الدم ومن ثم قد يصاب المريض بمضاعفات خطيرة.

ويصل ثمن الكليو غرام من الدقيق الخالي من الغلوتين إلى 7500 ريال ، ما يقارب 13 دولارا، بينما يصل سعر الباكت من بسكويت الأطفال المخصص للمرضى الى 3500 ريال/ 7 دولارات، كما يصل سعر الحبة الواحدة من المكرونة إلى 4500 ريال/ 8 دولارات، وهذا مُكلِّف جدا بالنسب لمعظم شرائح المجتمع، بالإضافة إلى أنها متوفرة بشكل ضئيل في عدد محدود من السوبرماركتات في منطقة حدة شمال العاصمة صنعاء.

المرحلة الأصعب

الفترة الفاصلة بين ظهور الأعراض وتشخيص الإصابة من أصعب المراحل التي يعيشها المصاب بالسيلياك، وفقا لرئيسة مؤسسة يمن سيلياك وهي “مؤسسة غير ربحية تهتم بمرضى السيلياك” بسمة مصطفى، التي توضح -في تصريح لمنصة عوافي- أن نسبة من يعرفون أي معلومة عن هذا المرض في المجتمع قليلة جدا.

معاناة مصطفى مع مرض السيلياك وعدم معرفة الناس في اليمن بماهية هذا المرض دفعها لإنشاء مبادرة تهدف للتعريف بالسيلياك والذي يسمى أيضا “الزلاقي أو التحسسي”.

لقد كانت البداية عبارة عن إنشاء مجموعة في تطبيق الواتس آب في شهر يوليو 2016، ضمت عددا من المرضى، بحسب مصطفى، لكن الفكرة تطورت، وفي شهر أبريل 2020 تم عمل مبادرة باسم “بسمة حياة” تشمل أيضا من المجموعة المرضى أنفسهم، ومن ثم تطور العمل بعد ذلك ليتم إطلاق مؤسسة “يمن سيليك” في21 مارس 2021.

وإنشاء المؤسسة ونشاطها مكن عشرات المصابين من التواصل عبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي ليصل العدد إلى 280 مصابا بينهم أطفال، وفقا لمصطفى التي أفادت بأن المؤسسة تعد لعقد مؤتمر طبي عن “مرض السيلياك وحساسية القمح” في مايو المقبل يهدف إلى التعريف بالمرض على نطاق واسع.

ومن أهم أهداف المؤتمر لفت انتباه الأطباء أيضا إلى المرض واكتساب أكبر قدر من المعلومات عنه ليسهل تشخيص الحالات واختصار فترة المعاناة قبل التشخيص، والوصول إلى أكبر قدر من المصابين بالمرض، خاصة في ظل عدم وجود إحصائيات بنسبة الإصابة بالسلياك وفق إفادة مدير الإدارة العامة للتغذية في وزارة الصحة في صنعاء، الدكتور حمود المنتصر لمنصة “عوافي”.

التشخيص بداية الطريق

يوضح طبيب التغذية الإكلينيكية في هيئة مستشفى الثورة بالحديدة، الدكتور بندر السامعي، أن تشخيص المرض يعد من أبرز التحديات التي تواجه الطب في اليمن، نظراً لعدم توفر الأجهزة الحديثة والمحاليل الطبية، بالشكل المطلوب بالإضافة إلى ارتفاع تكاليفها في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور بسبب الحرب.

غير أنه يمكن تشخيص مرض السيلياك أو حساسية القمح بوسائل عدة أهمها الأعراض التي يشتكي منها المريض، وفقا للسامعي، أو من خلال الفحوصات المخبرية لتأكيد الإصابة بالمرض.

ويضيف الدكتور السامعي -في تصريح لمنصة عوافي- بأن”هنالك وسائل أخرى للتشخيص عن طريق فحص المصل الذي يقوم بالكشف عن الأجسام المضادة في الدم للشخص المصاب، وكذا الفحص الجيني الذي يكشف عن مستضدات كريات الدم البيضاء، “جزء مهم من التوافق النسيجي الرئيسي في الجهاز المناعي” أو عن طريق أخذ خزعة من الأمعاء الدقيقة وفحصها.

ويعد الأطفال في اليمن من أكثر الفئات التي قد تصاب بمرض السيلياك وحساسية القمح، نتيجة تعرضهم لمصادر الغلوتين خاصة من تتراوح أعمارهم بين 6 إلى12 شهراً ولم يحصلوا على الرضاعة الطبيعية، وفقا للدكتور السامعي، إذ يحصلون على غذاء يحتوي على الغلوتين بينما الجهاز الهضمي في إطار النمو والاكتمال.

 الحمية فقط هي الحل

لم يتم اكتشاف علاج لمرض السيلياك حتى الآن ولذلك لا يوجد أمام المصابين إلا التعايش معه، بحسب أخصائية التغذية بكلية الزراعة بجامعة صنعاء، الدكتورة نور عثمان، التي ترى بأن اتباع حمية غذائية هو الحل الوحيد رغم صعوبة حصولهم على خيارات من الأطعمة المناسبة مثل دقيق الذرة، الأرز، الدخن والشوفان الخالي من الغلوتين، والبسكويت الخالي من الغلوتين، بسبب تردي الوضع الاقتصادي.

وأكدت عثمان -في تصريح لمنصة عوافي- أن تجنب الغلوتين من شأنه أن يحسن من صحة المرضى وينهي معاناتهم مع الالتهابات وبقية الأعراض المرضية الأخرى المرتبطة بتناول مواد تحتوي على بروتين الغلوتين.

وحذّرت من الإفراط في تناوُل الأطفال منتجات تحتوي على الغلوتين، مبينة أن كل زيادة قدرها جرام واحد في كمية الغلوتين الذي يتناوله الطفل يوميًّا تزيد من خطر الإصابة بداء السيلياك، وأن الخطورة تبلغ ذروتها في الأعوام الثلاثة الأولى من العمر خاصة عند الأطفال الذين لديهم القابلية للمرض.

وشددت الأخصائية عثمان، على ضرورة توفير أطعمه بديلة غنية بالألياف حتى لا يتعرض المريض لنقص في الفيتامينات والعناصر الغذائية مثل الحديد، الكالسيوم، الثيامين أو فيتامين ب1″فيتامين يلعب دورا حيويا في أداء العديد من الوظائف في الجسم”، حمض الفوليك، وغيرها من العناصر التي توجد في الأغذية التي تحتوي على الغلوتين.

وأشارت عثمان إلى أن دراسات علمية  أمريكية نشرت عام 2010 ، نبهت إلى أن تجنب المواد الغذائية التي تحتوي على الغلوتين دون توفير البدائل المناسبة يمكن أن يؤدي إلى نقص الحبوب الصحية لصحة القلب، مما قد يرفع من احتمال الإصابة ببعض أمراض القلب.

إمكانيات محدودة

يبدو أن المشوار مع مرضى السيلياك ما يزال طويلا خاصة في ظل محدودية  إمكانيات دور وزارة الصحة في مواجهة المرض بسبب ما الأوضاع التي يعيشها اليمن نتيجة الصراع، وفقا لمديرة إدارة التغذية في المستشفيات والمرافق الصحية بالإدارة العامة للتغذية في وزارة الصحة الدكتورة أماني السراجي.

وبينت -في تصريح لمنصة عوافي- بأن دور الوزارة سيتركز في الوقت الحالي على التوعية والتثقيف الصحي بمخاطر المرض وأعراضه، والمساهمة في توفير البدائل الغذائية المناسبة لهؤلاء المرضى من خلال مركز الإعلام التغذوي التابع لوزارة الصحة .

اخترنا لك..شحة الدراسات العلمية تضعف التوعية بمخاطر القات