حليب الأطفال.. ضمانات السلامة الميكروبيولوجية والتغذوية

‏  5 دقائق للقراءة        996    كلمة

د. عادل سالم*

توصي المنظمات الصحية الدولية بالرضاعة الطبيعية خلال السنة الأولى من العمر لأنها توفر كل التغذية اللازمة لنمو الرضيع وتطوره الطبيعي وتنظيم مناعته و تقلل من خطر الإصابة بالتهابات الجهاز الهضمي و التنفسي.

أما في الحالات التي تكون فيها الرضاعة الطبيعية غير كافية أو غير ممكنة أو غير مناسبة فإن تركيبات حليب الرضع الصناعية المحتوية على فيتامينات وبروتينات وسعرات حرارية ودهون ومعادن تلعب دورًا حيويًا هاماً لا لتكون بديلاً فعالاً لمحاكاة حليب الأم فقط بل يرتجى منه فوائد صحية وتغذوية ومناعية أفضل للأطفال الرضع.

فمنذ اختراع أول حليب صناعي تجاري للرضع في عام1867 على يد الكيميائي الألماني JUSTUS VON LIEBIG تطورت هذه التركيبات لتتوافق بشكل أفضل مع تركيبة حليب الأم نظرا لاحتوائها على البروتينات والكربوهيدرات والدهون والأحماض الدهنية الضرورية للنمو الإدراكي لدى الرضع ثم سمحت المحفزات الحيوية المتقدمة بإضافة المكملات الغذائية إليها لتحسين صحة الرضع وحديثي الولادة .

قد يهمك .. عودة الحصبة إلى اليمن واللقاحات هي الحل

ونظرا لأن هذه الفئة أكثر عرضة للأمراض لعدم نضوج أجهزتهم المناعية وقنواتهم الهضمية القابلة للاختراق فقد يشكل استهلاك مسحوق حليب الأطفال الملوث بالجراثيم سببًا رئيسا للإصابة بالأمراض المختلفة
ولهذا فإن عمليات تصنيع حليب الأطفال تخضع لتحديات فريدة مشابهة لعمليات إنتاج الأدوية تتمثل في تطبيق شروط و معايير دولية وقواعد صارمة للغاية لضمان الجودة الميكروبيولوجية و الكفاية التغذوية وسلامة الرضع.

فمن أجل الحصول على تراخيص التصنيع تحدد ممارسات التصنيع الجيد (GMPS) ودساتير الأغذية الدولية و معايير إدارة الأغذية والعقاقير (FDA) لحليب الأطفال المتطلبات العامة و الضوابط الوقائية الالزامية و خطط الرقابة والتحكم الفعال و إجراءات التشغيل القياسية واشتراطات و بروتوكولات التصنيع و الاختبارات المعتمدة و قواعد التفتيش والمعايرة و سياسات الشركة المتعلقة بالتصنيع وضمان الجودة والتوزيع.

فيشترط في المرافق الانتاجية البعد عن التلوث والنفايات والافات و استيفاء الشروط الخاصة بالتصميم والتخطيط والمتطلبات التشغيلية المطبقة والمعتمدة لدى الهيئات الصحية لضمان كفاءة التصنيع عبر الأتمتة المتكاملة لتحقيق الجودة و تسهيل إمكانية التتبع والمراقبة وتحسين العمليات وتحقيق سلامة الانتاج بشكل موثوق في بيئة صيانة امنة يتم التحقق خلالها من جميع أنظمة المعالجة و التعقيم. و تطبق شروط صارمة لاختيار واعتماد ومراقبة موردي المكونات والمواد الخام ومواد التعبئة والتغليف وفق برنامج ضمان الموثوقية المستمرة لكل بائع في ظل وجود تدقيق الطرف الثالث.كما يجب أن يكون جميع العاملين مؤهلين لإجراء كافة العمليات التصنيعية والمخبرية والتحكم في المكونات ومواد التغليف إلى معايرة وصيانة معدات التصنيع والاختبار وتدقيق الجودة الداخلية (أو عمليات التفتيش الذاتي ).

إقرأ أيضاً .. قوانين صحية مُلزمة لإنقاذ “جيل الحرب ” في اليمن

وتطبق اجراءات التحقق في عمليات التصنيع عبر(نقطة التحكم الحرجة في تحليل المخاطرHACCP) من أجل تحليل وتحديد المخاطر الميكروبيولوجية و تحديد وسائل السيطرة عليها لتصنيع الحليب بمأمونية كاملة .

ويصنع الحليب بواحدة من ثلاث عمليات ، الخلط الرطب ، الخلط الجاف (المزج) أو الجمع (الخلط الرطب والخلط الجاف) وتضاف مكونات مثل الفيتامينات والمعادن أو الكربوهيدرات الإضافية في شكل جاف إلى المسحوق الأساسي لتشكيل المنتج النهائي المطلوب.

وقبل عمليات التعبئة والتغليف يتم استخدام تقنية المعالجة الحرارية الفائقة او البسترة السريعة عن طريق تسخين المكونات النشطة لحليب الأطفال بسرعة إلى درجة حرارة تتراوح بين 160-180 درجة فهرنهايت خلال أقل من ثانية واحدة لمنع تلف الأحماض الأمينية والبروتينات والفيتامينات ثم التبريد السريع و يعتبر هذا مناسبًا لتدمير جميع الكائنات الدقيقة ثم تضاف المغذيات الدقيقة الحساسة للحرارة ويتم الاحتفاظ بالمنتج النهائي حتى يخضع للاختبار النهائي حيث يتم تعبئة المسحوق الناتج في حاويات يتم غسلها بغاز خامل ثم يتم نقله الى العبوات التجارية .

وما زالت التجارب العلمية قائمة لتجربة استخدام ثاني أكسيد الكربون فوق الحرج (SC-CO2) و الأشعة فوق البنفسجية أو المجالات المغناطيسية والضغط الفائق أو الميكرووييف أو الضوء النبضي للوصول لأعلى مستويات التعقيم .

و لضمان الجودة يجب أن تمتلك الشركة المصنعة مختبرات ميكروبيولوجية عالية التقنية تصمم تصميمًا خاصا لتقليل مخاطر تلوث مرافق المعالجة أو أن تتعاقد مع مختبرات يكون لها حق الوصول إليها للتحكم في إنتاج وقبول المواد الخام ومواد التعبئة والتغليف والمنتجات قيد المعالجة والمنتجات النهائية كما يجب ان تخضع مواد التغليف لمعايير و متطلبات التعبئة الآمنة، و تحت رقابة برنامج الاستقرار لابد أن تلتزم الشركة المصنعة بإجراء (تحليل الثبات ) لمواد مختارة بتكرار كافٍ لإثبات الحفاظ على المحتوى التغذوي حتى تاريخ انتهاء صلاحية المنتج تحت ظروف التخزين والتوزيع العادية.

يجب التأكد من تطبيق بروتوكولات التحقق من صحة عمليات التصنيع و تطبيق بروتوكولات التحقق من طرق الاختبار المحددة من مختبر معتمد
ان استيفاء شروط ومعايير ال FDA و الGMP الصارمة لضمان السلامة الميكروبيولوجية للحليب سواءً بالتعقيم الممنهج خلال التصنيع والتعبئة والتغليف أو بإضافة عوامل ميكروبيولوجية مضادة في التركيبات لن يمنع حدوث التلوث الفيروسي او البكتيري في الحليب بل تأتي غالبا من مصادر أخرى ليس لها علاقة بتصنيع الحليب أو مكوناته . فبدون التقيد بالمبادئ التوجيهية للإعداد والتداول والتخزين الآمن لأغذية الرضع و التي أوصت بها المنظمات العاملة في هذا المجال كالفاو و الWHO تنتقل هذه الجراثيم عن طريق رذاذ السعال أو العطاس لأم مصابة بعدوى فيروسية أو بكتيرية أو أثناء تحضيرها وجبة الحليب الصناعي لطفلها دون عناية بمسائل النظافة وتعقيم أدوات الرضاعة أو أثناء ملامسة معدات طبية أو أسطح ملوثة من قبل مقدمي الرعاية الصحية و من هذا المنطلق فإن الوعي بأهمية النظافة و ضرورة التعقيم من قبل الأمهات ومقدمي الرعاية الصحية يشكل حجر الزاوية لتجنب إصابة الرضع بالعدوى الفيروسية أو البكتيرية.

*باحث في الشئون الصحية والتعليمية

أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن و نشرت بالتتابع مع موقع “ذمار أونلاين”