3 حلول زهيدة لمنع الناسور الولادي

3 حلول زهيدة لمنع الناسور الولادي
‏  7 دقائق للقراءة        1370    كلمة

لم تكن، العشرينية أنيسة سالم (اسم مستعار) تعرف أن المولود الذي انتظرته ثمان سنوات بعد زواجها، سيكون سبباً في وضع صحي حرج للغاية ومدمر لحياتها الزوجية بسبب مرض لم تكن تعرف عنه شيئاً، ولم تتوقعه.

عوافي/عبد الملك الجرموزي

بعد ولادة متعسرة استمرت نحو 30 ساعة، داخل منزلها في إحدى قرى العاصمة صنعاء، ظنت أن المخاض الأليم الذي عاشته طيلة تلك الساعات قد انتهى، غير مدركة أنها قد دخلت في خضم معاناة مريرة سببها ناسور ولادي، بحسب ما قالته لـ”عوافي”.

ومع عدم تعافيها ولجهلها وزوجها وأسرتها بهذا المرض وكيفية علاجه، استاءت حالتها الصحية، وبدأ الجميع ينفر منها وأولهم زوجها، وبمرور أكثر من شهرين من المعاناة، دخلت أنيسة في وضع نفسي متأزم.

انطفأت جذوة حياة أنيسة، صارت وحيدة، هاربة من أعين محيطها العائلي، تتألم بصمت لا يشعر بها أحد، خاصة بعد أن قال لها زوجها ذات مساء بفضاضة صادمة أنه سيتزوج بأخرى لأنها لم تعد صالحة للحياة الزوجية.

ويعد الناسور الولادي من أخطر إصابات الولادة وأكثرها مأساوية، وهو بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، عبارة عن تكون ثقب بين قناة الولادة والمثانة و/أو المستقيم، وينتج عن المخاض المطول والمتعسر دون الوصول إلى علاج طبي عالي الجودة في الوقت المناسب، فهو يترك المرأة يتسرب منها البول أو البراز أو كليهما، وغالبًا ما يؤدي إلى مشاكل طبية مزمنة، وإذا تُرك دون علاج، فإنه يتسبب في سلس البول المزمن ويمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الأمراض الجسدية الأخرى.

قد يهمك.. الكليات الطبية واحتياجات المجتمع.. خلل في المعادلة

ووفقا لما ذكره الصندوق في موقعه الإلكتروني، “يمكن أن تؤدي الإصابات الجسدية أيضًا إلى العزلة الاجتماعية والأذى النفسي والاكتئاب، وغالبًا ما تكون النساء والفتيات المصابات بالناسور غير قادرات على العمل، والعديد منهن يتخلى عنهن أزواجهن وأسرهن، وينبذهن مجتمعاتهن، مما يدفعهن إلى مزيد من الفقر والضعف.

ويشير الصندوق الأممي إلى أن “هناك تقصير من النظم والمجتمعات الصحية في إنهاء ناسور الولادة الذي يحدث بنسبة أكبر بين الفقيرات والمهمشات وكذلك اللواتي يفتقرن إلى الخدمات”.

لكنه وضح بأنه” يمكن لثلاثة حلول زهيدة أن تمنع الناسور: الحصول الآني على خدمتي رعاية التوليد وحديثي الولادة عاليتا الجودة في حالات الطوارئ، ووجود المهنيين المدربين في مهارات القبالة عند الولادة، وإتاحة وسائل منع الحمل الحديثة”.

فرصة حياة جديدة

كثيرات كأنيسة، صوت أنينهن غير مسموع، يرتد صداه عليهن خذلان أشد قسوة من المرض، لكن أفراح محمد (اسم مستعار) استطاعت الانتصار على الناسور الولادي والنجاة منه.

تقول أفراح لـ”عوافي” بأن” الصدمة التي تعرضت لها بعد إصابتها بناسور الولادة، لم تكن نهايتها”، كما حال أخريات عانين من نفس المشكلة، فقد أصرت العشرينية التي حصلت على قدر لا بأس به من التعليم (حتى الصف الثالث الإعدادي) على تجاوز محنتها والحصول على فرصة حياة جديدة كما يليق بها.

منتصف ليلة التاسع من سبتمبر2021، شعرت أفراح بآلام المخاض، لكنها تسكن قرية بعيدة في إحدى أرياف صنعاء، ومع تعسر ولادتها وعدم توافر مركز صحي جيد بالقرب منها، اضطرت أن تلد على يد قابلة لم تكن متمرسة، فتسببت لها بحدوث مضاعفات صحية لتكتشف لاحقاً أنها أصيبت بالناسور الولادي.

لم تستسلم أفراح لواقعها المرضي المفاجئ، وأصرت على الانتقال مع أسرتها إلى مدينة صنعاء حيث تلقت العلاج في وحدة علاج الناسور الولادي بمستشفى الثورة العام.

تؤكد أخصائية أمراض نساء وتوليد، الدكتورة خولة اللوزي، أن الولادة المتعسرة في ظل غياب رعاية صحية والتي قد تصل مدتها إلى 72 ساعة بسبب ضيق الحوض أو كبر حجم الطفل قد تتسبب بالإصابة بالناسور.

وتابعت “كما أن الحمل المبكر في ظل عدم اكتمال نمو الحوض عن الفتيات الصغار في السن اللاتي يكون أعمارهن أقل من 18 سنة، وقلة الوعي الصحي، وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية من الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بهذا المرض”.

اللوزي بينت خلال حديثها لـ “عوافي” إن من الأضرار التي يسببها الناسور الولادي، عدم قدرة المرأة على الولادة بشكل طبيعي في المستقبل والإصابة بالتهابات مزمنة وقد تصاب بالعقم”، مستدركة “بالإضافة إلى الإضرار النفسية الناتجة عن العزلة الاجتماعية التي تعيشها المصابة بسبب الروائح الكريهة الصادرة عنها والتي هي نتيجة لتسرب البول والفضلات بشكل غير إرادي”.

أخصائية أمراض النساء أوصت النساء اللائي يعانين من الناسور الولادي بعدم التكتم على الإصابة والإسراع في تلقي العلاج في المراكز العلاجية بصنعاء وعدن.

معالجة العوامل الرئيسية

تتعرض النساء المصابات بالناسور الولادي للعنف الجسدي والجنسي، وهن أكثر عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يجعلهن أكثر ضعفًا وأقل حماية في مجتمع يعتبر الإصابة بمرض كهذا وصمة عار شديدة.

ولا يزال ينظر إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي على أنه قضية منفصلة عن الخدمات الصحية، وهذا أمر غير منصف إذ ينبغي أن ينظر للناسور الولادي كجزء أساسي من الرعاية الصحية الشاملة، وقضية تهم المجتمع ككل.

تقول استشارية أمراض النساء والولادة، الدكتورة أروى الربيع، أن معالجة العوامل الرئيسية المسببة للناسور الولادي ممكنة.

وتؤكد لمنصة “عوافي: “يحتاج الأمر إلى تكاتف مجتمعي منها، لمنع الزواج المبكر قبل سن 18 عامًا، والحصول على التغذية الجيدة والمتوازنة والنظافة الشخصية والرعاية الصحية المستمرة”.

وتضيف: “كذلك بإمكاننا أن نجنب المرأة الإصابة بالناسور الولادي من خلال رعاية الحامل بصورة منتظمة وتلقي التثقيف، والتوعية عبر وسائل الإعلام بالتنسيق مع الجهات الرسمية مثل وزارة الصحة ومنظمات المجتمع المدني ذات الاختصاص بمخاطر الزواج المبكّر وبالتالي الحمل المبكّر عند الصغيرات”.

وتوصي بضرورة: “تنفيذ التوجيهات والإرشادات المقدمة من قبل مقدمي خدمات الرعاية أثناء الحمل فيما يتعلق بالولادة والتخطيط لذلك والاستفادة من مراكز خدمات الطوارئ التوليدية ذات الكفاءة للتغلب على مشاكل الولادة المتعسرة في الوقت المناسب”.

تهديد خطير

تؤكد الجمعية الوطنية للقابلات اليمنيات أن الناسور الولادي يشكل تهديدًا خطيرًا لصحة النساء في اليمن، وأن المستشفيات والمراكز الصحية تعاني من نقص في الإمكانيات اللازمة للتعامل مع هذه المشكلة الصحية الخطيرة.

وكانت الجمعية أوضحت في بيان لها مطلع يونيو الفائت، أن نسبة النساء اللواتي يعانين من الناسور الولادي تصل إلى 90% من النساء اللواتي يعانين من صعوبات في الولادة، وأن نسبة الوفيات بسبب الناسور الولادي في اليمن تصل إلى 12% من إجمالي وفيات الأمهات أثناء الولادة لأسباب يمكن الوقاية منها.

وتمكنت الجمعية خلال السنوات الفائتة بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، من تقديم الدعم والمساعدة للنساء المصابات وتوفير الإمكانيات اللازمة للتشخيص والعلاج لمئات المصابات، وأجريت نحو 350 عملية جراحية للناسور الولادي في مستشفى الثورة بصنعاء ومستشفى الصداقة بعدن، بالإضافة إلى توعية النساء بأهمية الوقاية من الناسور الولادي.

علاج 100 حالة سنويا

وفق تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان، نشره في 5 يوليو الفائت على موقعه الرسمي، تعاني في اليمن حوالي 5.5 ملايين من النساء والفتيات في سن الانجاب من الوصول المحدود أو عدم الوصول لخدمات الصحة الإنجابية. ومن بين كل عشر (10) حالات ولادة في اليمن، تحدث ست (6) ولادات دون وجود قابلة مؤهلة، وتتوفر خدمات الأمومة الصحية في مرفق واحد (1) فقط من بين كل خمسة (5) مستشفيات عاملة.

اقرأ أيضاً.. مرضى الصرع.. عواصف في الرأس وندوب في القلب

وصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن المنظمة الوحيدة التي تدعم معالجة الناسور الولادي مجاناً في اليمن من خلال تأسيس ودعم مركزيين لعلاج ناسور الولادة منذُ العام 2010، أحدهما في مستشفى الصداقة بعدن والآخر في مستشفى الثورة العام بصنعاء، يوفران خدمات العلاج لأكثر من 100 حالة ناسور ولادي سنويا.

وفي حين يؤكد صندوق الأمم المتحدة للسكان التزامه بالعمل مع الشركاء في المجال الصحي لإنهاء الناسور الولادي حتى لا تبقى امرأة في اليمن معرضة للخطر بسبب مضاعفات الولادة، وليتم معالجة الحالات التي تعاني من الناسور بنجاح لتستمر حياتهن بكرامة، تشدد جمعية القابلات اليمنيات على ضرورة إجراء مسح شامل لتحديد حجم المشكلة ومعرفة إحصائيات عدد حالات الناسور لتحسين الرعاية الصحية في البلد، وتفادي الوفيات والمضاعفات الصحية التي يمكن الوقاية منها.. ولكن متى سيتم ذلك؟

*تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.