21.1 C
اليمن
Home المرأة والطفل لقاحات الأطفال.. التزام إنساني وأخلاقي

لقاحات الأطفال.. التزام إنساني وأخلاقي

0
لقاحات الأطفال.. التزام إنساني وأخلاقي
‏  6 دقائق للقراءة        1043    كلمة

د. أيمن مذكور

لقد برزت قضية أهمية اللقاحات كقضية بالغة الأهمية خلال العقود الأخيرة على مستوى العالم وذلك لتعزيز صحة الفرد والمجتمع وحمايتها.

وقد مثلت اللقاحات -كقضية أساسية- هاجس شغل العلماء وخبراء الصحة والحكومات, ودفعتهم لإنشاء مراكز أبحاث وتخصيص موازنات ضخمة من أجل إجراء العديد من الدراسات والأبحاث العلمية والميدانية حول اللقاحات, وقد تنوعت اهتمامات هذه الدراسات في مجالات مختلفة, حيث اهتمت بعضها ببحث جدوى استخدام اللقاحات كوسيلة في الحماية من العدوى من بعض الأمراض والتأكد من جدواها من حيث خفض تكاليف الخدمات الصحية للفرد والمجتمع, بينما ركزت دراسات أخرى على دراسة وتطوير اللقاحات ودراسة أعراضها الجانبية للوصول لأفضل المعالجات للتخفيف منها.

قد يهمك..لقاحات كوفيد-19.. الشائعات ينفيها العلم

ومما لا شك فيه فقد أثمرت كل تلك الجهود في تحقيق أهداف عظيمة في سبيل تحسين الصحة العامة لسكان العالم, ومكنت السلطات الصحية من السيطرة والحد من انتشار الأمراض, وتخفيض معدل الإصابة والوفيات للأمراض التي أدرجت ضمن برامج تطعيم الأطفال, بل إن بعض الدول ومن خلال تطبيق سياسة التطعيم الإلزامي ضد أمراض الطفولة فقد تمكنت خلال السنوات القليلة الماضية من القضاء على كثير من الأمراض التي كانت منتشرة وتسببت في وفاة العديد من البشر.

وعلى الرغم من كلما سبق فلم تكن مشكلة رفض اللقاحات موضوعا جديدا بل إنها قديمة وكان تترافق مع اعتماد أي لقاح جديد, إلا أن الرافضين كانوا يمثلون نسبة ضئيلة لا تذكر مقارنة بغالبية أفراد المجتمع المقتنعين بأهمية اللقاحات, وكانت الأسباب التي تقف خلف رفض المعارضين للتطعيم الإلزامي تتمثل في ما يلي:

1- أن التطعيم الإلزامي ينطوي على انتهاك للحرية الشخصية للأفراد في رفض التطعيم، ونظراً لأن هذه الأصوات الضئيلة لا تلبث أن تختفي بعد قيام السلطات الصحية بنشر المزيد من التثقيف والتوعية المجتمعية بأهمية اللقاحات وضرورة تلقي الجميع للتطعيمات من أجل حماية كل أفراد المجتمع والقضاء على أي بؤرة للمرض في وسط المجتمع والتي قد تؤدي لنقل العدوى للآخرين.

2- يعزو البعض السبب في رفض التطعيم لأسباب دينية أو مذهبية أو عرقية تحت ذرائع نظرية المؤامرة وبدون إبراز أي نصوص دينية واضحة وصريحة تدعم ادعاءاتهم المشوهة وغير المنطقية, ونظراً لانتشار الأمراض في أوساط السكان الرافضين للتطعيم ما يجعلهم يكتشفون لاحقاً خطأ قرار رفضهم للتطعيم ولكن للأسف بعد فوات الأوان وبعد تغييب الموت لأحبائهم, وهذا ما نلاحظه اليوم في اليمن, حيث انتشرت أمراض الطفولة بصورة كبيرة في المديريات والمحافظات التي حدث فيها رفض للتطعيم, وهذا يؤكد خطأ قرار رفض التطعيم, وهذا يعتبر أكبر رد على الإشاعة ولكن بلغة قاسية بعد إصابة أو وفاة فلذات أكبادهم نتيجة المرض الذي كان يمكن الوقاية منه بأخذ جرعات اللقاح في موعدها المحدد.

3- كما انتهج نسبة ضئيلة من الأفراد خاصة في بعض الدول العربية أو السياسة تعارض اللقاحات تحت مبررات واهية وغير صحيحة مثل “أن اللقاحات قادمة من الغرب ونحن يجب أن لا نثق في ما يقدمونه لأطفالنا”, وقاموا من أجل ذلك بنشر الشائعات بأن اللقاحات قد تسبب ضعف الإنجاب أو العقم أو أنها غير فعالة أو أنها تؤدي لتخلي الشخص مستقبلاً عن بعض القيم المجتمعية كالغيرة والشجاعة دون أي دراسات علميا تثبت ذلك وبدون إبراز أي دليل يدعم أفكارهم المضللة, وهو ما تسبب في استمرار انتشار الكثير من أمراض الطفولة في هذه الدول, وما رافق ذلك من ارتفاع في معدلات الوفيات بين مواطنيها في حين كان يمكن للقاحات الوقاية من هذه الأمراض والقضاء عليها.

لقاحات الأطفال.. التزام إنساني وأخلاقي

إن الواقع يثبت كذب وعدم صحة هذه الشائعات, وخاصة أننا نرى بأم أعيننا عدم تأثر القدرات الإنجابية لنا ولمن حولنا رغم أخذنا للقاحات، كما أننا نرى تراجع واختفاء أغلب الأمراض التي تم التطعيم ضدها في كل البلدان التي تكون فيها معدلات التغطية بالتطعيم مرتفعة وبالمقابل انتشار هذه الأمراض في الدول التي تعاني من تدني معدلات التغطية بالتطعيم، مع العلم أن دول الغرب تطبق سياسات صارمة للتطعيم حيث تعد أغلب دول العالم المتقدمة برنامج التطعيم الروتيني للأطفال إلزاميا مثل فرنسا وبريطانيا وايطاليا وأمريكا وخاصة لقاحات الحصبة وشلل الأطفال والدفتيريا والتي تعد شرطا أساسيا لقبول الأطفال في الحضانة أو المدارس، من ناحية ثانية فإن نسبة التغطية بالتطعيم ضد الحصبة والسعال الديكي والدفتيريا وشلل الأطفال والتهاب الكبدB تتجاوز 90‎% في أمريكا وأغلب دول أوروبا, بل إن هذه الدول تعد بطاقة التطعيم شرطا أساسيا لقبول دخول الأفراد الأجانب لبلدانهم, وبالتالي فإن هذه الإجراءات المتبعة إضافة للتوعية المستمرة بأهمية اللقاحات قد ساهمت بشكل كبير في السيطرة ومنع انتشار الكثير من أمراض الطفولة والقضاء عليها في بلدانهم منذ سنوات مبكرة مقارنة بالوضع الوبائي المتدهور في أغلب الدول النامية والتي تنتشر فيها الشائعات المضللة.

اقرأ أيضاً..شلل الأطفال في اليمن.. مخاطر العودة وأسباب الانتشار

كما يجب الإشارة إلى أن الأطباء والمتعلمين هم أكثر الفئات التزاماً بتطعيم أطفالهم لمعرفتهم التي لا تقبل التشكيك بأهمية اللقاحات ومدى مأمونيتها وسلامتها، وبالتالي فإن تغاضي السلطات الصحية وعدم تصديها لتلك الشائعات ودحضها من خلال نشر التوعية الصحيحة للمجتمع حول أهمية اللقاحات وانتهاج سياسة تلزم الأفراد بالتطعيم خاصة ضد الأمراض الوبائية كشلل الأطفال والحصبة والدفتيريا والتهاب السحايا والتهاب الكبدB، ولذلك فإن استمرار انتشار الشائعات دون شك سيؤدي لزيادة وتنامي حالات الرفض المجتمعي تجاه التطعيم وسيؤدي مستقبلاً لتراجع نسبة التغطية للأفراد المطعمين في هذه المجتمعات ما قد يساهم في تفشي الأمراض بين الأفراد غير المطعمين وهنا لن تتمكن السلطات الصحية من السيطرة عليها بالإمكانيات المتوفرة والمتاحة لديهم.

وفي الأخير يجب التأكيد أن الشائعات ضد اللقاحات والتي قد تظهر بين الحين والآخر على اختلاف أسبابها هي غير مقبولة وغير صحيحة سواء من ناحية علمية أو دينية, ويجب على السلطات الصحية والمنظمات الدولية والمحلية التصدي لها بحزم وفي كل الظروف والأوقات لما قد تمثله من خطر يهدد حياة وصحة أطفالنا ومجتمعنا بشكل عام، فاللقاحات قضية حياة أو موت ولا يجب أن نسمح لأهواء ورغبات الجهلة وأنصاف المتعلمين بالعبث بصحة وحياة أطفالنا.

#التحصين_حياة

أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن و نشرت بالتتابع مع موقع “عدن الغد”